للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلُه بل أثرُ فعله، لا ذاته وصفاته، فقامت به فقرًا إليه واحتياجًا لا وجودًا وذاتًا، وأقامها بمشيئته وربوبيّته لا بظهوره فيها.

ولقد لحظ ملاحدة الاتِّحاديّة أمرًا اشتبه عليهم فيه وحدةُ الموجِد بوحدة الوجود، وتوحيدُ الذّات والصِّفات والأفعال بتوحيد الوجود، وفيضانُ جوده بفيضان وجوده، فوحّدوا (١) الوجود وزعموا أنّه هو المعبود، فصاروا عبيدَ الوجود المطلق الذي لا وجودَ له في غير الأذهان، وعبيدَ الموجودات الخارجة في الأعيان، فإنّ وجودها عندهم هو المسمّى بالله. تعالى الله عن هذا الإلحاد الذي {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: ٩٠]. وسبحانَ من هو فوق سماواته على عرشه بائنٌ من خلقه بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

أين حقيقة المخلوق من الماء المَهِين من ذات ربِّ العالمين؟ أين المكوَّن من ترابٍ من ربِّ الأرباب؟ أين الفقير بالذّات إلى الغنيِّ بالذّات؟ أين وجود من يضمحلُّ وجوده ويفوت إلى حقيقة وجود الحيِّ الذي لا يموت؟ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: ٢٢ - ٢٤].

* * * *


(١) ش، د: «فوجدوا».

<<  <  ج: ص:  >  >>