الغفلات، ولم تَشْغَلْه عن تلك الحضرة الشّواغلُ المُلْهِيات.
وقوله:(فوق حجب الطّلب)، يعني أنّ العارف قد ارتفع عن مقام الطّلب للمعرفة إلى مقام حصولها، والطّالب للأمر دون الواصل إليه، فالطّالب بعدُ في حجاب طلبه، والعارف قد ارتفع فوق حجاب الطّلب بما شاهده من الحقيقة، فالطّالب شيءٌ، والواجد شيءٌ.
وهذا كلامٌ يحتاج إلى شرحٍ وبيانٍ، فإنّ الطّلب لا يفارق العبدَ ما دامت أحكام العبوديّة تجري عليه، ولكنْ هو منتقلٌ في منازل الطّلب، ينتقل من عبوديّةٍ إلى عبوديّةٍ، والمعبود واحدٌ لا ينتقل عنه، فكيف تجرّد المعرفة عن الطّلب؟
هذا موضعٌ زلَّتْ فيه أقدامٌ، وضلَّتْ فيه أفهامٌ، وظنّ المخدوعون المغرورون أنّهم قد استغْنَوا بالمعرفة عن الطّلب، وأنّ الطّلب وسيلةٌ والمعرفة غايةٌ، ولا معنى للاشتغال بالوسيلة بعد الوصول إلى الغاية. فهؤلاء خرجوا عن الدِّين بالكلِّيّة بعدَ أن شمَّروا في السّير فيها، فردُّوا على أدبارهم، ونَكَصُوا على أعقابهم، ولم يفهموا مراد أهل الاستقامة بذكر حجب الطّلب.
فاعلم أنّ كلّ ما منك حجابٌ على مطلوبك، فإن وقفتَ معه فأنت دون الحجاب، وإن قطعتَه إلى تجريد المطلوب صِرتَ فوق الحجاب. فطلبُك وإرادتك وتوكُّلك وحالك وعملك كلُّه حجابٌ، إن وقفتَ معه أو ركنتَ إليه. وإن جاوزتَه إلى الذي أنت به وله وفي يديه وتحتَ تصرُّفه ومشيئته، وليس لك (١) ذرّةٌ واحدةٌ إلّا به ومنه، ولم تقفْ مع طلبك وإرادتك= فقد صرتَ فوق