للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجاب الطّلب. ففي الحقيقة أنت حجابُ قلبك عن ربِّك، فإذا كشفتَ الحجابَ عن القلب أفضى إلى الرّبِّ، ووصل إلى الحضرة المقدّسة.

وقولنا: (إذا كشفتَ الحجاب) إخبارٌ عن محلِّ العبوديّة، وإلّا فكشفُه ليس بيدك، ولا أنت الكاشف له، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام: ١٧].

ومن أعظم الضُّرِّ: حجابُ القلب عن الرّبِّ، وهو أعظم عذابًا من الجحيم، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: ١٥ - ١٦].

وقوله: (لابسًا نور الوجود)، المعنى الصّحيح من هذه اللّفظة: أنّ نور الوجود هو نورُ ظَفَرِه بإقبال قلبه على الله، وجمْعِ همِّه عليه، وقيامه بمراد ربّه عن مراد نفسه، فصار واجدًا لما أكثر الخلق فاقدٌ له، قد لبس قلبُه نورَ ذلك الوجود، حتّى فاضَ على لسانه وجوارحه وحركاته وسكناته، فإن نطقَ علاه النُّور، وإن سكتَ علاه النُّور.

وأخصُّ من هذا: أنّه قد فاض على قلبه نورُ اليقين بالأسماء والصِّفات، فصار لقلبه من معرفتها والإيمانِ بها وذوقِ حلاوة ذلك نورًا خاصًّا (١) غير مجرّد نور العبادة والإرادة والسكون. وإيّاك أن تلتفتَ إلى غير هذا {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل: ٩٤].

وليس مراد الشّيخ بالوجود ما يريده المتكلِّمون والفلاسفة، ولا ما


(١) كذا في النسخ، والوجه الرفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>