للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشارته دون مقامه، ومقامه فوق إشارته (١)، إن أشار أشار بالله مستشهدًا بشواهد الله، وإن سكت سكت بالله عاكفًا بسِرِّه وقلبه على الله، فلو وجدوا مثل هذا لكان الصّادقون أسرعَ إليه من النّار في يابس الوَقود، والله المستعان.

قوله: (تقطع حِبالَ الشّواهد)، شبّه الشّواهد بالحبال التي تَجذِب العبد إلى مطلوبه، وهذا إنّما يكون مع الغيبة عنه، فإذا صار الأمر إلى العيان انقطعت حينئذٍ حبالُ الشّواهد بحكم المعاينة.

قوله: (وتلبس نعوت القدس)، القدس: هو النّزاهة والطّهارة، ونعوت القدس هي صفاته، فيُلبِسه الحقُّ سبحانه من تلك النُّعوت ما يليق به، واستعار لذلك لفظة اللُّبس؛ فإنّ تلك الصِّفات خِلَعٌ من خِلَعِ الحقِّ سبحانه، يُلبِسها من يشاء من عباده.

وهذا موضعٌ يتوارد عليه الموحِّدون والملحدون:

فالموحِّد يعتقد: أنّ الذي ألبسه الله إيّاه هو صفاتٌ جمَّلَ بها ظاهرَه وباطنَه، وهي صفاتٌ مخلوقةٌ ألبست عبدًا مخلوقًا، فكسا عبده حُلّةً من حُلَلِ فضله وعطائه.

والملحد يقول (٢): كساه نفسَ صفاتِه، وخلَعَ عليه خِلعةً من صفات ذاته، حتّى صار شبيهًا به، ويقولون: الوصول هو التّشبُّه بالإله على قدر الطّاقة، وبعضهم يُلطِّف هذا المعنى فيقول: بل يتخلّق بأخلاق الرّبِّ (٣)،


(١) «دون مقامه ... إشارته» ليست في د.
(٢) انظر: «شرح التلمساني» (ص ٥١٦).
(٣) د: «الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>