للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا أيضًا مَورِدٌ للملحد والموحِّد (١):

فالملحد يقول: مشاهدة الجمع هي مشاهدة الوجود الواحد، الجامع لجميع المعاني والصُّور والقوى والأفعال والأسماء، و «حضرة الجمع» عنده هي حضرة هذا الوجود، ومشاهدة هذا الجمع تجذب إلى غيبة (٢).

قال (٣): وصفة هذا الجذب أن يَحُلَّ الحقُّ تعالى عُقَدَ خَلقيَّتِه بيد حقيقته (٤)، فيرجع النُّور الفائض على صورة خَلقيَّتِه إلى أصله، ويرجع العبد إلى عدميّته، فيبقى الوجود للحقِّ، والفناء للخلق، ويقيم الحقُّ تعالى وصفًا من أوصافه، نائبًا عنه في استجلاء ذاته، فيكون الحقُّ هو المشاهد ذاتَه بذاته في طورٍ من أطوار ظهوره، وهي مرتبة عبده، فإذا أثبتَ الحقُّ تعالى عبدَه بعد نفيه ومحْوِه، وأبقاه بعد فنائه (٥)، فعاد كما يعود السّكران إلى صحوه= وجدَ في ذاته أسرارَ ربِّه، وطورَ صفاته، وحقائقَ ذاته، ومعالمَ وجوده، ومطارحَ أشعّةِ نوره، ووجد خَلْقِيَّته أسماءَ مسمّى ذاته وعوده إليه، فيرى العبدُ ثبوتَ ذلك الاسم في حضرة سائر الأسماء المشيرة بدلالتها إلى الموجود (٦) المنزَّه الأصل، المُوهِم الفرع، فيؤدِّي استصحابُ النّظر إلى أصله أنّ الفرع لم يفارِقْه هو إلّا بشكله، والشّكل على اختلاف ضروبه فمعنًى عدميٌّ


(١) «والموحد» ليست في ت.
(٢) كذا في النسخ. وفي «شرح التلمساني»: «تجذب وجودَ العبد إلى حضرة الغيب».
(٣) «شرح التلمساني» (ص ٥١٧).
(٤) في «شرح التلمساني»: «حقّيته».
(٥) د: «قضائه».
(٦) في «شرح التلمساني»: «وجوده».

<<  <  ج: ص:  >  >>