للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفنَى (١) إمكانه في وجوبه.

فانظر ما في هذا الكلام من الإلحاد والكفر الصُّراح، وجعل عين المخلوق نفس عين الخالق، وأنّ الرّبّ سبحانه أقام نفسَ أوصافه نائبةً عنه في استجلاء ذاته، وأنّه شاهدَ ذاتَه بذاته في مراتب الخلق، وأنّ الإنسان إذا صحا من سُكره وجد في ذاته حقائق ذات الرّبِّ، ووجد خلقيَّتَه أسماء مسمّى ذاته، فيرى ثبوت ذلك الاسم في حضرة سائر الأسماء المشيرة بدلالتها إلى الوجود «المنزَّه الأصل» يعني عن الانقسام والتّكثُّر، «المُوهِم الفرع» يعني الذي يُوهِم فروعُه وتكثُّرُ مظاهرِه واختلافُ أشكاله أنّه متعدِّدٌ، وإنّما هو وجودٌ واحدٌ، والأشكال على اختلاف ضروبها أمورٌ عدميّةٌ، لأنّها ممكنةٌ، وإمكانها يفنى في وجوبها، فلم يبقَ إلّا وجوبُ الوجود، وهو واحدٌ وإن اختلفت الأشكال التي ظهر فيها، والأسماء التي أشارت إليه.

فالاتِّحاديُّ يُشاهد وجودًا واحدًا، جامعًا لجميع الصُّور والأنواع والأجناس، فاض عليها كلِّها، فظهر فيها بحسب قوابلها واستعداداتها.

وذلك الشُّهود يجذبه إلى انجذاب عزمه عن التّقيُّد بمعبودٍ معيّنٍ أو عبادةٍ معيّنةٍ، بل يبقى معبوده الوجود المطلق السّاري في الموجودات، بأيِّ معنًى ظهر، وفي أيِّ ماهيّةٍ تحقَّق، فلا فرقَ عنده بين السُّجود للصّنم والشّمس والقمر والنُّجوم وغيرها، كما قال شاعر القوم (٢):

وإن خَرَّ للأحجارِ في البُدِّ عاكفٌ ... فلا تَعْدُ في الإنكارِ بالعصبيّةِ


(١) في الأصول: «لتعيّن». والتصويب من «شرح التلمساني»، وسيشرحه المؤلف.
(٢) هو ابن الفارض، والأبيات من تائيته المشهورة، وليس في «ديوانه» ط. دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>