للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا معاينة القلب: فهي انكشاف صورة المعلوم له، بحيث تكون نسبته إلى القلب كنسبة المرئيِّ إلى العين، وقد جعل الله سبحانه القلبَ يُبصِر ويَعمى، كما تبصر العين وكما تعمى، قال تعالى: {لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} [الحج: ٤٦]. فالقلب يرى ويسمع، ويعمى ويَصَمُّ، وعَماه وصَمَمُه أبلغ من عمى البصر وصممِه.

وأمّا ما يُثبِته متأخِّرو القوم من هذا القسم الثّالث وهو رؤية الرُّوح وسَمْعُها وإرادتها وأحكامها، التي هي أخصُّ من أحكام القلب= فهؤلاء اعتقادهم أنّ الرُّوح غير النّفس والقلب.

ولا ريبَ أنّ هاهنا أمورًا معلومةً، وهي: البدن، وروحه القائم به (١)، والقلب المشاهَد فيه وفي سائر الحيوان، والغريزة وهي القوّة العاقلة التي محلُّها القلب، ونسبتها إلى القلب كنسبة القوّة الباصرة إلى العين، والقوَّةِ السّامعة إلى الأذن، ولهذا تسمّى تلك (٢) القوّة قلبًا، كما تُسمّى القوّة الباصرة بصرًا، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: ٣٧]، ولم يُرَدْ شكلُ القلب، فإنّه لكلِّ أحدٍ، وإنّما أريد القوّة والغريزة المودعة فيه.

والرُّوح هي الحاملة للبدن ولهذه القوى كلِّها، فلا قِوامَ للبدن ولا لقواه إلّا بها، ولها باعتبار إضافتها إلى كلِّ محلٍّ حكمٌ واسمٌ يخصُّها، فإذا أضيفتْ إلى محلِّ البصر سمِّيت بصرًا، وكان لها (٣) حكمٌ يخصُّها هناك، وإذا أضيفت إلى


(١) «به» ليست في ش.
(٢) «تلك» ليست في ش.
(٣) ش، د: «له».

<<  <  ج: ص:  >  >>