للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محلِّ السّمع سمِّيت سمعًا، وكان لها حكمٌ يخصُّها، وإذا أضيفت إلى محلِّ العقل وهو القلب سمِّيت قلبًا، ولها حكمٌ يخصُّها، وهي في ذلك كلِّه روحٌ.

فالقوّة الباصرة والسّامعة والعاقلة والنّاطقة روحٌ باصرةٌ وسامعةٌ وعاقلةٌ وناطقةٌ، ففي الحقيقة هذا العاقلُ الفاهمُ المُدرِك المحبُّ العارفُ المحرِّك للبدن الذي هو محلُّ الخطاب والأمر والنّهي= هو شيءٌ واحدٌ له صفاتٌ متعدِّدةٌ بحسب متعلَّقاته، فإنّه يُسمّى نفسًا مطمئنّةً ونفسًا لوّامةً ونفسًا أمّارةً، وليس هو ثلاثةَ أنفسٍ بالذّات والحقيقة، ولكن هو نفسٌ واحدةٌ لها صفاتٌ متعدِّدةٌ.

وهم يشيرون بالنّفس إلى الأخلاق والصِّفات المذمومة، فيقولون: فلانٌ له نفسٌ، وفلانٌ ليس له نفسٌ، ومعلومٌ أنّه لو فارقَ نفسَه مات، ولكن يريدون تجرُّده (١) عن صفات النّفس المذمومة.

والمحقِّقون (٢) منهم (٣) يقولون: إنّ النّفس إذا تلطَّفتْ وفارقتِ الرّذائلَ صارت روحًا، ومعلومٌ أنّها لم تُعْدَم، ويُخْلَقْ له مكانَها روحٌ لم تكن، ولكن عُدِمَتْ منها الصِّفاتُ المذمومة، وصار مكانَها الصِّفاتُ المحمودة، فسُمِّيت روحًا.

وهذا اصطلاحٌ مجرَّدٌ، وإلّا فالله سبحانه سمّاها نفسًا في القرآن في جميع أحوالها: أمّارةً، ولوّامةً، ومطمئنّةً. وقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢]، ويدخل في هذا جميع أنفس العباد حتّى الأنبياء، وسمَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روحًا على الإطلاق، مؤمنةً كانت أو كافرةً، بَرَّةً أو فاجرةً،


(١) ش، د: «مجردة».
(٢) ش: «والمحقق».
(٣) «منهم» ليست في د.

<<  <  ج: ص:  >  >>