للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني آدم إلّا بالصُّورة والشّكل.

فإذا قابلت النّفسُ الزَّاكيةُ العُلويّةُ الشَّريفةُ التي فيها غضبٌ وحميّةٌ للحقِّ هذه النُّفوسَ الخبيثة السَّمِّيّةَ، وتكيّفَت بحقائق الفاتحة وأسرارها ومعانيها، وما تضمَّنته من التّوحيد والتّوكُّل، والثّناءِ على الله سبحانه وتعالى، وذكرِ أصول أسمائه الحسنى، وذكرِ اسمه الذي ما ذُكِرَ على شرٍّ إلّا أزاله ومَحَقَه، ولا على خيرٍ إلّا أنماه (١) وزاده= دفعت هذه النّفسُ بما تكيَّفت به من ذلك أثرَ تلك النّفسِ الخبيثةِ الشَّيطانيّة، فحصَل البرءُ. فإنّ مبنى الشِّفاء والبرء على دفع الضِّدِّ بضدِّه، وحفظِ الشّيء بمثله، فالصِّحّة تُحفَظ بالمثل، والمرضُ يُدفَع بالضِّدِّ= أسبابٌ ربَطَها بمسبَّباتها الحكيمُ العليمُ خلقًا وأمرًا. ولا يتمُّ هذا إلّا بقوّةٍ من النّفس الفاعلة، وقبولٍ من الطّبيعة المنفعلة. فلو لم تنفعل نفسُ الملدوغ لقبول الرُّقية، ولم تقوَ نفسُ الرّاقي على التّأثير، لم يحصل البرء.

فهنا أمورٌ ثلاثةٌ: موافقةُ الدّواء للدّاء، وبذلُ الطّبيب له، وقبولُ طبيعة العليل؛ فمتى تخلَّف واحدٌ منها لم يحصل الشِّفاء، وإذا اجتمعت حصل الشِّفاء ــ ولا بدَّ ــ بإذن الله تعالى.

ومن عرف هذا كما ينبغي تبيّن له أسرارُ الرُّقى، وميَّز بين النّافع منها وغيره، ورقى الدّاءَ بما يناسبه من الرُّقى، وتبيَّن له أنّ الرُّقية براقيها وقبول المحلِّ، كما أنّ السَّيف بضاربه مع قبول المحلِّ للقطع. وهذه إشارةٌ مطلعةٌ على ما وراءها لمن دقَّ نظرُه، وحسُنَ تأمُّله (٢). والله أعلم.


(١) ع: "نمَّاه".
(٢) وانظر: "زاد المعاد" (٤/ ١٦ - ١٧، ٢٣٦ - ٢٣٨، ٢٤٣، ٢٥٤ - ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>