للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحمُّلُ الأثقال، والتّعب والمشقّة= إنّما هو لهذه الحياة، والعلومُ والأعمال وسيلةٌ إليها، وهي يقظةٌ، وما قبلها من الحياة نومٌ، وهي عينٌ، وما قبلها أثرٌ، وهي حياةٌ جامعةٌ بين فَقْد المكروه، وحصول المحبوب في مقام الأنس وحضرة (١) القدس، حيث لا يتعذَّرُ مطلوبٌ، ولا يُفقَد محبوبٌ؛ حيث الطُّمأنينةُ والرّاحة، والبهجة والسُّرور، حيثُ لا عبارةَ للعبد عن حقيقة كُنْهِها؛ لأنّها في بلدٍ لا عهدَ لنا به، ولا إلفَ بيننا وبين ساكنيه، فالنّفس لإلْفِها هذا السِّجنَ الضّيِّق النَّكِد (٢) زمانًا طويلًا تكره الانتقال منه إلى ذلك البلد، وتستوحش إذا استشعرتْ مفارقتَه.

وحصول العلم بهذه الحياة إنّما وصل إلينا بنورٍ (٣) إلهيٍّ على يد أكمل الخلق وأعلمهم وأنصحهم، فقامت شواهدها في قلوب أهل الإيمان، حتّى صارت لهم بمنزلة العيان، فعَزَفَتْ نفوسهم عن هذا الظِّلِّ الزّائل، والخيال المضمحلِّ، والعيش الفاني المَشُوب بالتّنغيص وأنواع الغُصَص، رغبةً في هذه الحياة، وشوقًا إلى ذلك الملكوت، ووجدًا بهذا السُّرور، وطربًا على هذا الحدِّ، واستنشاقًا (٤) لهذا النّسيم الوارد من محلِّ النّعيم المقيم.

ولعمر الله إنّ من سافرَ إلى بلد العدل والخصب والأمن والسُّرور صبرَ في طريقه على كلِّ مشقّةٍ وإعوازٍ وجَدْبٍ، وفارقَ المتخلِّفين أحوجَ ما كان (٥)


(١) ت: «وحظيرة».
(٢) د: «المتكدر».
(٣) ر: «بخبر».
(٤) ر: «واشتياقًا».
(٥) ت: «يكون».

<<  <  ج: ص:  >  >>