للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم، وأجاب (١) المناديَ إذا نادى به حيَّ على الفلاح، وبذل نفسه في الوصول بذْلَ المحبِّ بالرِّضا والسّماح، وواصل السّير بالغُدوِّ والرّواح، فحمِدَ عند الوصول مسراه، وإنّما يحمَدُ المسافر السُّرى عند الصّباح.

عند الصّباح يحمَدُ القومُ السُّرى ... وفي الممات يحمَدُ القومُ التُّقَى (٢)

وما هذا والله بالصّعب ولا بالشّديد، مع هذا العمر القصير الذي هو بالنِّسبة إلى تلك الدّار كساعةٍ من نهارٍ {يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} [الأحقاف: ٣٥]، {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ (٣) كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: ٤٥]، {(٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ} [النازعات: ٤٦]، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: ٥٥]، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: ١١٢ - ١١٤]. فلو أنّ أحدنا يُجَرُّ على وجهه يتّقي به الشّوك والحجارة إلى هذه الحياة لم يكن ذلك كثيرًا ولا غبنًا في جنب ما يؤمِّلُه.

فوا (٤) حسرتاه على بصيرةٍ تشاهد هاتين الحياتين على ما هما عليه،


(١) الواو ليست في ش، ت، ر.
(٢) الشطر الأول من الأمثال السائرة، انظر: «مجمع الأمثال» (٢/ ٣١٨). ضمَّ إليه المؤلف الشطر الثاني على منواله، فأصبح بيت شعر. وقد ذكرهما المؤلف في «بدائع الفوائد» (٢/ ٨٢٥) بصورة فقرتين من النثر.
(٣) قراءة العشرة غير عاصم، كما في «النشر» (٢/ ٢٦٢).
(٤) ت: «فيا».

<<  <  ج: ص:  >  >>