للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: أجَلْ، للحجاب الذي ضرب بينك وبين هذه الحياة، فافهم الحياة بوجود الفناء، وبوجود المالك القادر إذا كان معك وناصرك، دون مجرَّدِ وجوده ولا معرفةَ بينك وبينه البتّةَ، فحقيقة الحياة هي الحياة بالرّبِّ تعالى، لا الحياة بالنفس والغذاء (١) وأسباب العيش.

وقد تُفسَّر حياة الوجود بشهود القيُّوميّة، حيث لا يرى (٢) شيئًا من الأشياء إلّا وهو بالله، هو الذي أقامه، وبحال هذا الشُّهود، وهو أن لا يلتفت بقلبه إلى شيءٍ سوى الله، ولا يخافه ولا يرجوه، بل قد قصرَ خوفَه ورجاءه وتوكُّله وإنابته على قيُّومِ الوجود وقيِّمه وقيَّامه ومُقِيمه وحدَه، فمتى حصل له هذا الشُّهود وهذا الحال فقد حصلتْ له حياة الوجود.

فتارةً يتنفّس بالهيبة، وهي سطوة نور الصِّفات، وذلك عند أوّل ما يسطع نور الوجود، فيقع القلب في هيبةٍ تستغرق حسَّه عن الالتفات إلى شيءٍ من عوالم النّفس، وذلك هو الاعتلال الذي يُمِيته النّفس الثّاني، وهو قوله: «ونفس يميت الاعتلال»، فتموت منه عللُ أعماله، وآثارُ حظوظه، وشهودُ إنِّيّته.

قوله: (ونفس الوجود) يريد به وجودَ العبد لربّه، فيتنفّس بهذا الوجود، كما يسمع به، ويبصر به، ويبطش به، ويمشي به.

ولا تُصْغِ إلى غير هذا، فتزِلَّ قَدَمٌ بعد ثبوتها.

قوله: (وهو يمنع الانفصال)، الانفصال عند القوم: انقطاع القلب عن الرّبِّ وبقاؤه بنفسه وطبيعته، والاتِّصال: هو بقاؤه بربِّه، وفناؤه عن أحكام


(١) ش: «الغنا».
(٢) ش، د: «ترى».

<<  <  ج: ص:  >  >>