للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسِه وطبعِه وهواه، وقد يراد بالاتِّصال الفناء في شهود القيُّوميّة، وبالانفصال الغَيبة عن هذا الشُّهود.

وأمّا الملحد فيفسِّر الاتِّصال والانفصال بالاتِّصال الذّاتيِّ والانفصال الذّاتيِّ، وهذا محالٌ أيضًا، فإنّه لم يزل متّصلًا به، بل لم يزل إيّاه عنده. فالأوّل: يتعلّق بالإرادة والهمّة، وهو أعلى الأنواع. والثّاني: يتعلّق بالشُّهود والشُّعور، وهو دونه، وعند الشّيخ هو أعلى؛ لأنّه إنّما يكون في وادي الفناء. والثّالث: للملاحدة القائلين بوحدة الوجود.

قوله: (ونفس الانفراد، وهو يورث الاتِّصال).

نفس الانفراد: هو المصحوب بشهود الفردانيّة، وهي تفرُّد الرّبِّ سبحانه بالرُّبوبيّة والإلهيّة والتّدبير والقيُّوميّة، فلا يُثبِت لسواه قسطًا في الرُّبوبيّة، ولا في الإلهيّة، ولا في القيُّوميّة، بل يُفرِده بذلك في شهوده كما أفرده به في علمه، ثمّ يفرده به في الحال التي أوجبها الشُّهود، فيكون سبحانه فردًا في علم العبد ومعرفته، فردًا في شهوده، فردًا في حاله في شهوده.

وهذا النّفس يُورِثه الاتِّصال بربِّه، بحيث لا يبقى له مرادٌ غيره، ولا إرادةٌ غير مراده الدِّينيِّ الذي يحبُّه ويرضاه، فيستفرغ حبُّه قلبه، وتستفرغ مرضاته سعيه، وليس وراء ذلك مقامٌ تَلْحَظُه النّظّارة، لا بالقلب ولا بالرُّوح. فإنّ كمال هذا الاتِّصال والشُّغل (١) بالحقِّ سبحانه: قد استغرقَ المقامات، واستوعب الإشارات، والله المستعان.

* * * *


(١) «والشغل» ليست في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>