أحد، فإن كمال الانتفاع به تابع لمدِّه وبسطه وتحوُّله من مكانٍ إلى مكانٍ. وفي مدِّه وبسطه ثمَّ قبضه شيئًا فشيئًا من المصالح والمنافع ما لا يخفى ولا يحصى، فلو كان ساكنًا دائمًا، أو قُبض دفعةً واحدةً لتعطَّلت مرافق العالم ومصالحه به وبالشمس، فمدُّ الظلِّ وقبضُه شيئًا فشيئًا لازمٌ لحركة الشمس على ما قدِّرت عليه من مصالح العالم. وفي دلالة الشمس على الظِّلال ما يُعرف به أوقات الصلوات، وما مضى من اليوم، وما بقي منه. وفي تحرُّكه وانتقاله ما يبرد ما أصابه حرُّ الشمس، وينفع الحيوان والشجر والنبات. فهو من آيات الله الدالَّة عليه.
وفي الآية وجهٌ آخر، وهو أنَّه سبحانه مدَّ الظلَّ حين بنى السماء كالقبَّة المضروبة، ودحا الأرض تحتها، فألقت القبَّة ظلَّها عليها، فلو شاء سبحانه لجعله ساكنًا مستقرًّا في تلك الحال، ثمَّ خلق الشمس ونصبها دليلًا على ذلك الظلِّ، فهو يتبعها في حركتها، يزيد بها وينقص، ويمتدُّ ويَقْلِص، فهو تابعٌ لها تبعيَّة المدلول لدليله.
وفيها وجهٌ آخر، وهو أن يكون المراد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وهي الأجرام التي تلقي الظِّلال. فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه، كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه. وقوله:{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} كأنَّه يشعر بذلك، فقوله:{إِلَيْنَا قَبْضًا} يشبه قوله: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}[ق: ٤٤]. وقوله:{ثُمَّ} بصيغة الماضي لا ينافي ذلك، كقوله:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل: ١].
والوجه في الآية هو الأوَّل. وهذان الوجهان إن أراد من ذكرهما دلالة الآية عليهما إشارةً وإيماءً فقريب، وإن أراد أنَّ ذلك هو المراد من لفظها