للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنزلة إنكار العالم وجحده، لا فرق بينهما. بل دلالةُ الخالق على المخلوق، والفعَّالِ (١) على الفعل، والصَّانعِ على أحوال المصنوع، عند العقول الزَّاكية المشرقة العُلْويّة والفِطَر الصّحيحة= أظهَرُ من العكس.

والعارفون (٢) أرباب البصائر يستدلُّون بالله على أفعاله وصُنْعه، إذا استدلَّ النّاسُ بصُنعه وأفعاله عليه. ولا ريب أنّهما طريقان صحيحان، كلٌّ منهما حقٌّ، والقرآن مشتملٌ عليهما.

فأمّا الاستدلالُ بالصّنعة فكثيرٌ. وأمّا الاستدلال بالصّانع فله شأنٌ، وهو الذي أشارت إليه الرُّسل بقولهم لأممهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي} أي أيُشَكُّ في الله حتّى يُطلَب إقامةُ الدّليل على وجوده! وأيُّ دليلٍ أصحُّ وأظهر من هذا المدلول! فكيف يُسْتدَلُّ على الأظهر بالأخفى! ثمّ نبّهوا على الدّليل بقولهم: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: ١٠].

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رضي الله عنه - (٣) يقول: كيف تَطلُب (٤) الدّليلَ على من هو دليلٌ على كلِّ شيءٍ؟ وكان كثيرًا يتمثَّل بهذا البيت:

وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ ... إذا احتاج النّهار إلى دليلٍ (٥)


(١) ل، ج: "الفاعل".
(٢) ع: "فالعارفون".
(٣) ج: "رحمه الله". وفي ع: "تقي الدين بن تيمية".
(٤) م، ج، ع: "يُطلب".
(٥) البيت للمتنبي في "ديوانه" (ص ٣٣٤ - ط عزَّام) وقد أنشده المؤلف في غير كتاب له، وسيأتي مرة أخرى في كتابنا هذا. والرواية: "في الأفهام".

<<  <  ج: ص:  >  >>