للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم (١) أنّ وجودَ الرَّبِّ تعالى أظهَرُ للعقول والفِطَر من وجود النّهار. ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتَّهمها (٢).

وإذا بطل قولُ هؤلاء بطل قولُ أهل الإلحاد (٣) القائلين بوحدة الوجود وأنَّه ما ثَمَّ وجودٌ قديمٌ خالقٌ، ووجودٌ حادثٌ مخلوقٌ؛ بل وجودُ هذا العالم هو عينُ وجود الله، وهو حقيقةُ هذا العالم. فليس عند القوم ربٌّ وعبدٌ، ولا مالكٌ ومملوكٌ، ولا راحمٌ ومرحومٌ، ولا عابدٌ ومعبودٌ، ولا مستعينٌ ومستعانٌ به، ولا هادٍ ومهديٌّ، ولا منعِمٌ ومنعَمٌ عليه، ولا غضبانُ ومغضوبٌ عليه بل الرَّبُّ هو نفسُ العبد وحقيقته، والمالكُ هو عين المملوك، والرَّاحمُ عين المرحوم، والعابدُ نفس المعبود. وإنّما التّغاير أمرٌ اعتباريٌّ بحسَبِ مظاهر الذّات وتجلِّياتها، فتظهر تارةً في صورة المعبود كما ظهرت في صورة فرعون، وفي صورة عبد كما ظهرت في صورة العَبِيد، وفي صورة هادٍ كما ظهرت في صورة الأنبياء عليهم السلام والرُّسل والعلماء. والكلُّ من عينٍ واحدةٍ، بل هو العين الواحدة. فحقيقةُ العابد ووجودُه وإنِّيّتُه (٤): هي حقيقة المعبود


(١) ع: "ومعلومٌ".
(٢) ل: "فليتهمهما".
(٣) ما عدا م، ع: "الاتحاد"، وأشير إليها في هامش نسخة م، ولعله تصحيف.
(٤) ق، ل: "أينيته" ولكنها مغيَّرة فيهما. وفي ش: "أيِّيَّته" نسبة إلى "أيّ". والمثبت من ج. في "تعريفات الجرجاني" (ص ٣٩ - ط فلوغل): "الإنِّيّة: تحقُّق الوجود العيني من حيث مرتبة الذاتية". والوارد في ش، ق ليس غلطًا ولكنه غير مقصود هنا فيما يظهر. قال صاحب "الشفا" في قسم المنطق ــ المدخل (ص ٤٦): "إنَّ الذَّاتيَّ الدالَّ على الماهية يقال له: المقول في جواب ما هو؟ والذاتِيُّ الدالُّ على الإنِّيَّة يقال له: المقول في جواب أيُّ شيء هو في ذاته؟ أو أيُّ ما هو؟ ". الظاهر أن "الإنيَّة" في عبارة "الشفا" هذه تصحيف "الأيِّيَّة". وانظر: "رسائل الكندي الفلسفية" (ص ١٢٩) ــ تعليق المحقق. و"المعجم الفلسفي" لجميل صليبا (ص ١٦٩ - ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>