للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَلَذَّذُ (١) بإدراكها، والعلمُ بما في تلك اللذَّات من المفاسد العاجلة والآجلة يمنعها من تناولها، والعقل يأمرها بأن لا تفعلي، فإذا زال العلم الكاشف المميِّز والعقل الآمر الناهي انبسطت النفس في هواها، وصادفت مجالًا (٢) واسعًا.

وحرَّم الله سبحانه السُّكر لسببين (٣) ذكرهما في كتابه، وهما: إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، والصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة. وذلك يتضمَّن حصولَ المفسدة الناشئة من النُّفوس بواسطة زوال العقل، وانتفاءَ المصلحة التي لا تتمُّ إلَّا بالعقل؛ فإيقاع العداوة من الأوَّل، والصدُّ عن ذكر الله من الثاني.

وقد يكون سبب السُّكر غير تناول المسكر، إمَّا ألم شديد يُغيِّب العقل حتَّى يصير كالسكران، وقد يكون سببَه (٤) مخوفٌ عظيمٌ هجم وهلةً واحدةً حتَّى غيَّب عقلَ من هجم عليه. ومِن هذا قوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: ٢]، فهم سكارى من الدهش والخوف، وليسوا سكارى (٥) من الشراب، فسكرهم سكر خوفٍ ودهشٍ، لا سكر لذَّةٍ وطربٍ.

وقد يكون سببه قوَّة الفرح بإدراك المحبوب، بحيث يختلط كلامُه وتتغيَّر أفعاله، بحيث يزول عقله ويُعربد أعظم من عربدة شارب الخمر.


(١) ت، ر: «تلتذ».
(٢) ت: «محلا»، تصحيف.
(٣) ت، ر: «لشيئين».
(٤) زيد في هامش د: «أمر» مصححًا عليه.
(٥) ر: «بسكارى».

<<  <  ج: ص:  >  >>