للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربَّما قتله سكرُ هذا الفرح بسببٍ (١) طبيعيٍّ، وهو انبساط دم القلب وهلةً واحدةً انبساطًا غير معتادٍ، والدَّم هو حامل الحارِّ الغريزيِّ، فيبرد القلب بسبب انبساط الدم عنه، فيحدث الموت. ومن هذا قول سكران الفرح بوجود راحلته في المفازة بعد أن استشعر الموت: «اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك»، أخطأ من شدَّة فرحه (٢).

وسكرة الفرح فوق سكرة الشراب، فصوِّر في نفسك حال فقيرٍ مُعْدِمٍ، عاشقٍ للدُّنيا أشدَّ العشق، ظَفِر بكنزٍ عظيمٍ، فاستولى عليه آمنًا مطمئنًّا، كيف يكون سكره (٣)؟ أو من غاب عنه غلامه بمالٍ له عظيمٍ مدَّة سنين حتَّى أضرَّ به العُدْم، فقَدِم عليه من غير انتظارٍ له بماله كلِّه وقد كسب أضعافه؟

وقد يوجبه غضبٌ شديدٌ، يحول بين الغضبان وبين تمييزه، بل قد يكون سكر الغضب أقوى من سكر الطرب، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» (٤).

ولا يستريب من شمَّ رائحة الفقه أنَّ الغضب إذا وصل بصاحبه إلى هذه الحال فطلَّق، لم يقع طلاقه. وقد نصَّ الإمام أحمد (٥) على أنَّ الإغلاق الذي


(١) ر: «لسبب».
(٢) كما في حديث أنس عند مسلم (٢٤٧٤)، وهو في البخاري (٦٣٠٩) من طريق آخر مختصرًا، ليس فيه محل الشاهد.
(٣) ت، ر: «تكون سكرته».
(٤) أخرجه أحمد (٢٠٣٨٩) ــ واللفظ له ــ والبخاري (٧١٥٨) ومسلم (١٧١٧) من حديث أبي بكرة.
(٥) في رواية حنبل، كما في «زاد المسافر» لغلام الخلال (٣/ ٢٦٥، ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>