للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلوبه، وهذا قد اتَّصل، فصحوه مغنٍ له عن طلبه.

وهذا الكلام ليس على إطلاقه، فإنَّ الطلب لا يفارق العبد ما دامت الحياة تصحبه. نعم، صحوه مغنٍ (١) عن طلب حظٍّ من حظوظه، وأمَّا طلب محابِّ محبوبه ومراضيه فهو أكمل ما يكون لها طلبًا.

فإن قيل: مراد الشيخ أنَّه مغنٍ عن التوجُّه والسُّلوك، فإنَّه واصلٌ، والسالك في الطريق.

قلت: العبد لا يزال في الطريق حتَّى يلحق بالله، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩]، وهو الموت بإجماع أهل العلم كلِّهم. قال الحسن: لم يجعل الله لعبادة المؤمنين (٢) أجلًا دون الموت (٣).

وتقسيم أبناء الآخرة إلى طالبٍ وسالكٍ وواصلٍ: صحيحٌ باعتبارٍ، فاسدٌ باعتبارٍ؛ فكأنَّهم جعلوا السير إلى الله تعالى بمنزلة السير إلى بيته، فالناس ثلاثةٌ: طالبٌ للسَّفر، ومسافرٌ في الطريق، وواصلٌ إلى البيت.

وهذا موضعٌ زلَّت فيه أقدامٌ، وضلَّت فيه أفهامٌ، ولا بدَّ من تحقيقه. فنقول ــ وبالله التوفيق ومنه الاستمداد وهو المستعان ــ:

هذا المثال غير مطابقٍ، فإنَّ الوصول إلى البيت هو غاية الطريق، فإذا وصل فقد انقطعت طريقه، وانتهى سفره. وليس كذلك الوصول إلى الله، فإنَّ


(١) زيد في د فوق السطر: «له» بخط مغاير.
(٢) ت: «المؤمن». وفي المطبوع: «لعبادِه ... »، تصحيف أفسد المعنى.
(٣) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (١٨) ــ ومن طريقه ابن المقرئ في «معجمه» (٧٢٠) ــ وأحمد في «الزهد» (ص ٣٣٢ - ٣٣٣) بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>