للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرف النِّعمة على القدر الحلال، بل يتعدَّاه إلى غيره، وتُسوِّل له نفسه أنَّ معرفته بالله تردُّ عليه ما انتهبَتْه (١) منه أيدي الشهوات والمخالفات، ويقول: العارف لا تضرُّه الذُّنوب كما تضرُّ الجاهل، وربَّما تسوِّل له أنَّ ذنوبه خيرٌ من طاعات الجهَّال! وهذا من أعظم المكر، والأمرُ بضدِّ ذلك، فيُحتَمَل من الجاهل ما لا يُحتَمَل من العارف، وإذا عوقب الجاهل ضِعفًا عوقب العارف ضعفين. وقد دلَّ على هذا شرع الله وقدره، ولهذا كانت عقوبة الحرِّ في الحدود مثلَي عقوبة العبد، وقال تعالى في نساء النبيِّ: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَّفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: ٣٠]. فإذا كَمُلت النِّعمةُ على العبد فقابلها بالإساءة والعصيان، كانت عقوبته أعظمَ؛ فدرجتُه أعلى وعقوبته أشدُّ.

وقال أيضًا (٢): ليس بعارفٍ من وصف المعرفة عند أبناء الآخرة، فكيف عند أبناء الدُّنيا؟ يريد: أنَّه ليس من المعرفة وصفُ المعرفة لغير أهلها، سواءٌ كانوا عبَّادًا أو من أبناء الدُّنيا.

وقال أبو سعيدٍ (٣): المعرفة تأتي من عين الوجد (٤)، وبذل المجهود.


(١) غير محرَّر في ت، وفي هامشها: «أخذت منه».
(٢) ورد هذا القول في «القشيرية» (ص ٦٤٦) بعد قول ذي النون السابق مباشرة ولكن مصدَّرًا بـ «وقيل»، وفي «اللمع» (ص ٤٠): «قال بعضهم». ولعل «وقيل» تصحَّف إلى «وقال» في النسخة التي اعتمد عليها المؤلف.
(٣) الخرَّاز، وقوله في «اللمع» (ص ٣٥) و «القشيرية» (ص ٦٤٦). وأسنده عنه أبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ٢٤٧).
(٤) كذا، وعليه فسَّره المؤلف. والذي في المصادر: «الجود».

<<  <  ج: ص:  >  >>