للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كلامٌ حسنٌ، يشير إلى أنَّ المعرفة ثمرة بذل المجهود في الأعمال وتحقيقِ الوجد في الأحوال، فهي ثمرة عمل الجوارح، وحالُ القلب لا ينال بمجرَّد العلم والبحث، فمن ليس له عملٌ ولا حالٌ فلا معرفة له.

وسئل ذو النُّون عن العارف؟ فقال: كان هاهنا فذهب. فسئل الجنيد عمَّا أراد بكلامه هذا؟ فقال: لا يحصره حالٌ عن حالٍ، ولا يحجبه منزلٌ عن التنقُّل في المنازل، فهو مع أهل كلِّ منزلٍ على الذي هم فيه، يجد مثل الذي يجدون، وينطق بمعالمها لينتفعوا (١).

وقال محمَّد بن الفضل: المعرفة حياة القلب مع الله (٢).

وسئل أبو سعيدٍ: هل يصل العارف إلى حالٍ يجفو عليه البكاء؟ فقال: نعم، إنَّما البكاء في أوقات سيرهم إلى الله؛ فإذا نزلوا بحقائق القرب، وذاقوا طعم الوصول مِن برِّه= زال عنهم ذلك (٣).

وقال بعض السلف: نوم العارف يقظة، وأنفاسه تسبيح، ونوم العارف أفضل من صلاة الغافل. وإنَّما كان نوم العارف يقظةً لأنَّ قلبه حيٌّ، فعيناه تنامان وروحُه ساجدةٌ تحت العرش بين يدي ربِّها وفاطرها، جسده في الفرش وقلبه حول العرش. وإنَّما كان نومه أفضل من صلاة الغافل لأنَّ بدن الغافل واقفٌ في الصلاة، وقلبه يَسيح (٤) في حشوش الدُّنيا والأمانيِّ،


(١) أسنده القشيري (ص ٦٤٦).
(٢) أسنده القشيري (ص ٦٤٦).
(٣) أسنده القشيري (ص ٦٤٧).
(٤) ش، د: «يَسْبَح».

<<  <  ج: ص:  >  >>