للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك: حوادث؛ وسمَّوا وجهه الأعلى، ويديه المبسوطتين، وأصابعه التي يضع عليها الخلائق يوم القيامة: جوارح وأعضاءً؛ مكرًا منهم كُبَّارًا بالناس، كمن يريد التنفير عن العسل، فيمكر في العبارة ويقول: مائعٌ أصفر يشبه العذرة المائعة، أو ينفِّر عن شيءٍ مستحسنٍ فيسمِّيه بأقبح الأسماء فعلَ الماكرِ المخادع، فليس مع مخالف الرُّسل سوى المكر في القول والعمل.

فلمَّا تمَّ للمعطِّلة مكرُهم، وسلك في القلوب المظلمة الجاهلة بحقائق الإيمان وما جاء به الرسول= ترتَّب عليه الإعراض عن الله، وعن ذكره ومحبَّته، والثناء عليه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فانصرفت قوى حبِّها وشوقِها وأنسِها إلى سواه.

وجاء أهلُ الآراء الفاسدة، والسِّياساتِ الباطلة، والأذواقِ المنحرفة، والعوائد المستمرَّةِ، فقعدوا على رأس هذا الصِّراط وحالوا بين القلوب وبين الوصول إلى نبيِّها وما كان عليه هو وأصحابه، وعابوا من خالفهم في قعودهم عن ذلك ورغب عمَّا اختاروه لأنفسهم، ورموه بما هم أولى به منه، كما قيل: رَمَتْني بدائها وانسلَّتْ (١).

وجاء أصحاب الشهوات المعتنون بها، الذين يعدُّون حصولها كيف كان هو الظَّفَرَ في هذه الحياة والبغية، فقعدوا على رأس طريق المعاد والاستعدادِ للجنَّة ولقاءِ الله، وقالوا: اليوم خمر وغدًا أمر! اليوم لك ولا تدري غدًا لك أو عليك؟ وقالوا: لا نبيع ذرَّةً منقودةً بدُرَّةٍ موعودة.


(١) مثل يُضرَب لمن يعيِّر بعيبه غيرَه. انظر: «المستقصى في أمثال العرب» (٢/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>