للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خذ ما تراه ودع شيئًا سمعتَ به (١)

وقالوا للناس: خلُّوا لنا الدُّنيا، ونحن قد خلَّينا لكم الآخرة، فإذا طلبتم منَّا ما بأيدينا أحلناكم على الآخرة.

أناسٌ يُقَضُّون عيشَ النعيم ... ونحن نُحال على الآخرَهْ

فإن لم تكن مثلما يزعمون ... فتلك إذًا كرَّةٌ خاسرَهْ (٢)

فالإيمان بالصِّفات ومعرفتُها، وإثباتُ حقائقها، وتعلُّقُ القلب بها، وشهودُه لها= هو مبدأ الطريق ووسطه وغايته. وهو روح السالكين، وحاديهم إلى الوصول، ومحرِّكُ عزماتهم إذا فتروا، ومثيرُ هِمَمهم إذا قصروا؛ فإنَّ سيرهم إنّما هو على الشواهد، فمن لا شاهد له لا سيرَ له ولا طلب ولا سلوك، وأعظم الشواهد: شواهد صفات محبوبهم ونهايةِ مطلوبهم، وذلك هو العَلَم الذي رُفع لهم في السَّير فشمَّروا إليه، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد رآه غاديًا رائحًا، لم يضع لبنةً على لبنةٍ، ولكن رُفع له عَلَمٌ فشمَّر إليه (٣).

ولا يزال العبد في التواني والفتور والكسل، حتَّى


(١) صدر بيت للمتنبي في «ديوانه» (٣/ ٢٠٥)، وقد ورد في ر مع عجزه، وهو:
في طلعة الشمس ما يُغنيك عن زُحَلِ
(٢) ورد البيتان في «الدر الفريد والبيت القصيد» (٦/ ٤١ - ٤٢) بلا نسبة، مع اختلاف في الشطر الأول من كليهما.
(٣) أخرجه أحمد في «الزهد» (ص ٣٤٠) وابن أبي الدنيا في «قصر الأمل» (١٧٥) والدينوري في «المجالسة» (٦١٦) وأبو نعيم في «الحلية» (٢/ ١٥٤) من طرق عن الحسن البصري موقوفًا عليه من قوله.

وقد روي نحوه عن عائشة مرفوعًا، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٣٢٤١) ــ وعنه أبو نعيم في «الحلية» (١/ ٩) ــ وابن عدي في «الكامل» (٥/ ٢٢٤) بلفظ: «من سأل عني أو سرَّه أن ينظر إليَّ فلينظر إلى أشعثَ شاحبٍ مشمِّرٍ لم يضع لبنة على لبنة ... ». وإسناده واه، فيه سليمان بن أبي كريمة، ضعيف منكر الحديث، وقد تفرَّد به عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، لم يتابعه عليه أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>