للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرفع الله له ــ بفضله ومنِّه ــ عَلَمًا يشاهده بقلبه، فيشمِّر إليه، ويعمل عليه.

فإذا عُطِّلت شواهد الصِّفات، ووُضعت أعلامها من القلوب، وطمست آثارها فيها= ضُربت بسياط البعد، وأُسبل دونها حجابُ الطرد، وتخلَّفت مع المتخلِّفين، وأوحى إليها القدر: أن اقعُدي (١) مع القاعدين؛ فإنَّ أوصاف المدعوِّ إليه ونعوتَ كماله وحقائقَ أسمائه هي الجاذبةُ للقلوب إلى محبَّته وطلبِ الوصول إليه، لأنَّ القلوب إنَّما تحبُّ من تعرفه، وتخافه وترجوه وتشتاق إليه، وتلذُّ بقربه وتطمئنُّ إلى ذكره= بحسب معرفتها بصفاته، فإذا ضُرب دونها حجابُ معرفة الصِّفات والإقرارِ بها امتنع منها بعد ذلك ما هو مشروطٌ بالمعرفة وملزومٌ لها، إذ وجود الملزوم بدون لازمه والمشروط بدون شرطه ممتنع. فحقيقة المحبَّة والإنابةِ والتوكُّلِ ومقامِ الإحسان ممتنعٌ على المعطِّل امتناعَ حصول المُغَلِّ من معطِّل البذر، بل أعظمَ امتناعًا.

كيف تَصْمُد القلوبُ إلى من ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا متَّصلًا به ولا منفصلًا عنه، ولا مباينًا له ولا محايِثًا له، بل حظُّ العرش منه كحظِّ الآبار والوِهاد والأماكن التي يرغب عن ذكرها؟!

وكيف تأله القلوب من لا يسمع كلامها، ولا يرى مكانها، ولا يحِبُّ ولا يحَبُّ، ولا يقوم به فعلٌ البتَّة، ولا يتكلَّم ولا يُكلِّم، ولا يَقْرُب من شيء، ولا يَقْرُب منه شيء، ولا


(١) ش، د: «اقعد».

<<  <  ج: ص:  >  >>