للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقوم به رحمةٌ ولا رأفةٌ ولا حنان، ولا له حكمةٌ ولا غايةٌ يفعل ويأمر لأجلها؟!

فكيف يُتصوَّر التوكلُ على ذلك، ومحبَّتُه والإنابةُ إليه، والشوقُ إلى لقائه ورؤيةِ وجهه الكريم في جنَّات النعيم، وهو غير (١) مستوٍ على عرشه فوق جميع خلقه؟! أم كيف تأله القلوب من لا يحِبُّ ولا يحَبُّ، ولا يرضى ولا يغضب، ولا يفرح ولا يضحك؟!

فسبحان من حال بين المعطِّلة وبين محبَّته ومعرفته، والسُّرورِ والفرحِ به، والشوقِ إلى لقائه، وانتظارِ لذَّة النظر إلى وجهه، والتمتُّعِ بخطابه في محلِّ كرامته ودار ثوابه! ولو رآها أهلًا لذلك لمنَّ عليها به، وأكرمها به، إذ ذاك أعظم كرامةٍ يكرم بها عبده، والله أعلم حيث يجعل كرامته ويضع نعمته، {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: ٥٣]، {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ (٢)} [الأنعام: ١٢٤]، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٣٢].

وليس جحودهم صفاتِه سبحانه وحقائقَ أسمائه ــ في الحقيقة ــ تنزيهًا، وإنَّما هو حجابٌ ضُرب عليهم، فظنُّوه تنزيهًا، كما ضرب حجاب الشِّرك والبدع المضلَّة والشَّهوات المُردية على قلوب أصحابها، وزيِّن لهم سوء


(١) سقطت «غير» من ت، ر.
(٢) كذا في النسخ عدا ر. وهي قراءة أبي عمرو وغيره. انظر: «النشر» (٢/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>