للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاته وماهيَّتُه، كيف تُعرف كيفيَّةُ نعوته وصفاته؟

ولا يقدح ذلك في الإيمانُ بها ومعرفةُ معانيها، فالكيفيَّة وراء ذلك، كما أنَّا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائقِ ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيَّته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزُنا عن معرفة كيفيَّة الخالق وصفاته أعظم وأعظم.

وكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفيَّة مَن له الكمالُ كلُّه، والجمال كلُّه، والعلم كلُّه، والقدرة كلُّها، والعظمة كلُّها، والكبرياء كلُّها؟! مَن لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبُحاتُه السَّماواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهما، وما وراء ذلك (١)؛ الذي يقبض سماواته بيده، فتغيب كما تغيب الخردلة في كفِّ أحدنا (٢)؛ الذي نسبة علوم الخلائق كلِّهم إلى علمه أقلُّ من نسبة نَقْرةِ عصفورٍ من بحار العالم (٣)؛ الذي لو أنَّ البحر ــ يمدُّه من بعده سبعة أبحرٍ ــ مدادٌ، وأشجارُ الأرض من حين خُلقت إلى قيام السَّاعة أقلامٌ= فني المدادُ وفنيت الأقلامُ ولم تنفَدْ كلماتُه؛


(١) كما في حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم (١٧٩) بلفظ: «حجابه النور ــ وفي رواية: النار ــ لو كشفه لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
(٢) كما في أثر لابن عباس عند عبد الله في «السنة» (١٠٦٨) والطبري في «تفسيره» (٢٠/ ٢٤٦). وروي ذلك أيضًا عن وهب بن منبه.
(٣) مقتبس من قول الخضر لموسى لمَّا كانا في السفينة فجاء عصفور، فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرةً أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: «يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر». أخرجه البخاري (١٢٢) ومسلم (٢٣٨٠) من حديث ابن عباس عن أبي بن كعب مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>