للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي لو أنَّ الخلق من أوَّل الدُّنيا إلى آخرها إنسَهم وجنَّهم وناطقَهم وأعجمَهم جُعلوا صفًّا واحدًا ما أحاطوا به سبحانه (١)؛

الذي يضع السَّماواتِ على إصبعٍ من أصابعه، والأرض على إصبعٍ، والجبال على إصبعٍ، والأشجار على إصبعٍ، ثمَّ يهزُّهنَّ ثمَّ يقول: أنا المَلِك (٢).

فقاتل الله الجهميَّة والمعطِّلة! أين التشبيه هاهنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحلَّ هاهنا كلُّ موجودٍ سواه، فضلًا عن أن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه، فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولَّاها ما تولَّته مِن وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها والمعاني التي لا حقائق لها.

ولمَّا فهمت هذه الطائفة من الصِّفات الإلهيَّة ما تفهمه من صفات المخلوقين فرَّت إلى إنكار حقائقها وابتغاءِ تحريفها، وسمَّته تأويلًا، فشبَّهت أوَّلًا، وعطَّلت ثانيًا، وأساءت الظنَّ بربِّها وبكتابه وبنبيِّه وبأتباعه (٣).

أمَّا إساءة الظنِّ بالربِّ تعالى، فإنَّها عطَّلت صفاتِ كماله، ونسبَتْه إلى أنَّه أنزل كتابًا مشتملًا على ما ظاهرُه كفرٌ وباطلٌ، وأنَّ ظاهرَه وحقائقه غيرُ مرادةٍ.


(١) لعله يشير إلى حديث عطية العوفي عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}، قال: «لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا الى أن فَنُوا صفُّوا صفًّا واحدًا لما أحاطوا بالله أبدًا» .. أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٤/ ١٣٦٣) والعقيلي في «الضعفاء» (١/ ٣٩٧) وابن عدي كذلك (٢/ ٣٩٩). وإسناده إلى عطية واه، فضلًا عن ضعفه هو.
(٢) كما في حديث ابن مسعود أن حبرًا من أحبار اليهود قال ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضحك - صلى الله عليه وسلم - تصديقًا لقوله. أخرجه البخاري (٤٨١١) ومسلم (٢٧٨٦).
(٣) في ت زيادة: «ثالثًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>