للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواه عن القدرة على إيجاد ذرَّةٍ أو جزءٍ من ذرَّةٍ، وأنَّه لا وجود له من نفسه، فوجوده ليس له ولا به ولا منه، وتوالى هذا العلم على القلب= سقط ذكرُ غيره سبحانه عن البال والذِّكرِ، كما سقط غناه وربوبيَّته وملكه وقدرته، فصار الربُّ وحدَه هو المعبودَ والمشهودَ المذكور، كما كان وحده هو الخالقَ المالكَ الغنيَّ الموجودَ بنفسه أزلًا وأبدًا، وما (١) سواه فوجوده وتوابع وجوده عاريةٌ ليست له.

وكلَّما فني العبد عن ذكر غيره وشهوده صفت هذه المعرفة في قلبه، فلهذا قال: (وتصفو في ميدان الفناء)، واستعار الشيخ للفناء ميدانًا وأضافه إليه لاتِّساع مجاله، لأنَّ صاحبه قد انقطع التفاتُه إلى ضيق الأغيار، وانجذبت روحُه وقلبه إلى الواحد القهَّار، فهي تجول في ميدانٍ أوسع من الأرض والسماوات (٢)، بعد أن كانت مسجونةً في سجون المخلوقات.

فإذا استمرَّ له عكوف قلبه على الحقِّ سبحانه، ونظرُ قلبِه إليه كأنَّه يراه، ورؤيةُ تفرُّدِه بالخلق والأمر، والنفع والضرِّ، والعطاء والمنع= كملت في هذه الدرجة معرفتُه، واستكملت بهذا البقاءِ الذي أوصله إليه الفناء، وشارفت عينَ الجمع بعد علمه، فغاب العارف عن معرفته بمعروفه، وعن ذكره بمذكوره، وعن محبَّته وإرادته بمراده ومحبوبه، فلذلك قال (٣): (وتستكمل بعلم البقاء، وتشارف عين الجمع).


(١) ر: «وأما».
(٢) ر: «من السماوات والأرض».
(٣) ر: «فذلك قوله».

<<  <  ج: ص:  >  >>