للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدين؛ ذلك إلهٌ معدومٌ مفروضٌ في الأذهان، لا وجود له في الأعيان، كإله الجهميَّة الذي فرضوه غيرَ خارجٍ عن العالم ولا داخلٍ فيه، ولا متَّصلٍ به ولا منفصلٍ عنه، ولا محايثٍ له ولا مباين؛ وكإله الفلاسفة الذي فرضوه وجودًا مطلقًا لا يتخصَّص (١) بصفةٍ ولا نعتٍ، ولا له مشيئةٌ ولا قدرة، ولا إرادةٌ ولا كلام؛ وكإله الاتِّحاديَّة الذي فرضوه وجودًا ساريًا في الموجودات ظاهرًا فيها، هو عين وجودها؛ وكإله النصارى الذي فرضوه قد اتَّخذ صاحبةً وولدًا، وتدرَّع بناسوتِ ولدِه، واتَّخذ (٢) منه حجابًا؛ فكلُّ هذه الآلهة ممَّا عملتها أيدي أفكارهم (٣)، وإله العالمين الحقُّ هو الذي دعت إليه الرُّسل وعرَّفوه بأسمائه وصفاته وأفعاله فوق سماواته على عرشه، بائنٌ من خلقه، موصوفٌ بكلِّ كمال، منزَّهٌ عن كلِّ نقصٍ، لا مثال له ولا شريك ولا ظهير، ولا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: ٣]، غنيٌ بذاته عن كلِّ ما سواه، وكلُّ ما سواه فقيرٌ إليه بذاته.

قوله: (وهي تثبت بعلم الجمع، وتصفو في ميدان الفناء)، يعني: أنَّ هذه المعرفة الخاصَّة تثبت بعلم الجمع، ولم يقل: بحال الجمع، ولا بعينه، ولا بمقامه، فإنَّ علمه أوَّلًا هو سبب ثبوتها، فإنَّ هذه المعرفة لا تنال إلَّا بالعلم، فهو شرطٌ فيها. وسيأتي الكلام في «الجمع» عن قريبٍ إن شاء الله.

فإذا علم العبد انفراد الربِّ سبحانه بالأزل والبقاء والفعل، وعَجْزَ من


(١) ت: «يختص».
(٢) واو العطف ساقطة من ش، د.
(٣) ر: «عملته أيدي أفكارها».

<<  <  ج: ص:  >  >>