للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجهٌ ثانٍ أيضًا، وهو: أنَّ الشواهد بوارقُ وتجلِّياتٌ تبدو للشاهد، فإذا أرسل الصِّفات على تلك الشواهد توارى حكم تلك البوارق والتجلِّيات في الصِّفات، وكان الحكم للصِّفات، فحينئذٍ يترقَّى العبد إلى شهود الذات شهودًا علميًا عرفانيًّا كما تقدَّم.

وقوله: (وإرسال الوسائط على المدارج)، الوسائط هي الأسباب المتوسِّطة بين الربِّ والعبد التي بها تظهر المعرفة وتوابعها، والمدارج هي المنازل والمقامات التي يترقَّى العبد فيها إلى المقصود، وقد تكون المدارج الطُّرق التي يسلكها إليه ويدرج فيها. فإرسال الوسائط التي من الربِّ على المدارج التي هي منازل السفر (١) وطرقُه يوجب كونَ الحكم لها دون المدارج، فيغيب عن شهود المدارج بالوسائط؛ وقد (٢) غاب عن شهود الوسائط بالصِّفات، فترقَّى حينئذٍ إلى شهود الذات.

وحقيقة الأمر: أن يعلم أنَّ الربَّ سبحانه ما أطلعه على معرفته إلَّا بشواهد منه ــ سبحانه ــ وبوسائط ليست من (٣) العبد، فهو قادرٌ على قبض تلك الشواهد والوسائط، وعلى إجرائها على غيره، فإنَّ الأمر كلَّه له، وتلك الوسائط لا توجب بنفسها شيئًا، قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قَلِيلًا (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الإسراء: ٨٦ - ٨٧]، وقال للأمَّة على لسانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ


(١) ر: «السير».
(٢) ش، د: «فقد».
(٣) ش، د، ت: «ليستقر»، والظاهر أنه تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>