موجده له استحال بقاؤه، فإنَّه إنَّما يبقى بإبقائه، كما أنَّه إنَّما يوجد بإيجاده؛ فهذا معنى قولنا: إنَّه بنفسه معدومٌ وفانٍ، فافهمه.
وقد اختلف الناس: هل إفناء الموجود وإعدامه بخلقِ عرضٍ فيه يسمَّى الفناءَ والإعدام، أم بإمساكِ خَلْق البقاء له، إذ هو في كلِّ وقتٍ محتاج إلى أن يُخلَق له بقاءٌ يُبقيه؟ وهي مسألة الإعدام المشهورة.
والتحقيق فيها: أنَّ ذاته لا تقتضي الوجود، وهو معدومٌ بنفسه، فإذا قدَّر الربُّ تعالى لوجوده أجلًا ووقتًا انتهى وجوده عند حضور أجله، فرجع إلى أصله وهو العدم.
نعم، قد يقدِّر له وقتًا ثمَّ يمحو ذلك ــ سبحانه ــ ويريد إعدامَه قبل وقته، كما يمحو ما يشاء ويريد استمرارَ وجودِه بعد الوقت المقدَّر إلى أمدٍ آخَرَ، فإنَّه يمحو ما يشاء ويثبت، قال تعالى حاكيًا عن نبيِّه نوح: {(١) قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح: ٢ - ٤]، فإذا أراد سبحانه إبقاء الشيء أبقاه إلى حين يشاء، وإذا أراد إفناءه أعدمه بمشيئته، كما يوجده بمشيئته.
فإن قيل: متعلَّق المشيئة لابدَّ أن يكون أمرًا وجوديًّا، فكيف يكون العدم متعلَّق المشيئة؟
قيل: متعلَّق المشيئة أمران: إيجاد وإعدام، وكلاهما ممكن، فقول القائل لابدَّ أن يكون متعلَّق المشيئة أمرًا وجوديًّا دعوى باطلة. نعم، العدم المحض لا تتعلَّق به المشيئة، وأمَّا الإعدام فهو أخصُّ من العدم. ولولا أنَّا في أمرٍ غير هذا (١)