للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبسطنا الكلام في هذه المسألة، وذكرنا أوهام الناس وأغلاطَهم فيها.

قوله: (الفناء اسمٌ لاضمحلال ما دون الحقِّ علمًا)، يعني: يضمحلُّ عن القلب والشُّهود علمًا وإن لم يفرض ذاتَه (١) فانيةً في الحال مضمحلَّةً، فتغيب صور الموجودات في شهود العبد، بحيث كأنَّها دخلت في العدم كما كانت قبل أن توجد، ويبقى الحقُّ تعالى ذو الجلال والإكرام وحدَه في قلب الشاهد كما كان وحده قبل إيجاد العوالم.

وقوله: (علمًا، ثمَّ جحدًا، ثمَّ حقًّا)، هذه الثلاثة هي مراتب الاضمحلال إذا ورد على العبد على الترتيب، فإذا جاء وهلةً واحدةً لم يشهد شيئًا من ذلك، وإن كان قد يعرف ذلك إذا عاد إلى علمه وشهوده، فإنَّ الربَّ سبحانه إذا رقَّى عبده بالتدريج نوَّر باطنه وعقله بالعلم، فرأى أنَّه لا خالق سواه، ولا ربَّ غيرُه، ولا يملك الضرَّ والنفع والعطاء والمنع غيرُه، وأنَّه لا يستحقُّ أن يُعبَد بنهاية الخضوع والحبِّ سواه، وكلُّ معبودٍ سوى وجهه الكريم فباطل، فهذا توحيد العِلم.

ثمَّ إذا رقَّاه الحقُّ سبحانه درجةً أخرى فوق هذه أشهَدَه (٢) عَودَ المفعولات إلى أفعاله سبحانه، وعودَ أفعاله إلى أسمائه وصفاته، وقيامَ صفاته بذاته؛ فيضمحلُّ شهود غيرِه من قلبه، وجحَدَ أن يكون لسواه من نفسه شيءٌ البتَّة، ولم يجحَدْ وجودَ السوى كما يجحده الملاحدة، فإنَّ هذا


(١) ر: «تكن ذاتُه». ومكانه بياض في ت، وكتب في الهامش: «بياض في الأم».
(٢) ش، د: «أرشده»، تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>