للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو من علم اليقين، لا من عين اليقين، ولا من حقِّ اليقين، إذ لا سبيل إليهما في هذه الدار، فإنَّ عين اليقين مشاهدة، وحقَّ اليقين مباشرة. نعم، قد يكون حقُّ اليقين وعين اليقين في هذه الدُّنيا بالنِّسبة إلى الوجود الذِّهنيِّ وما يقوم بالقلوب فقط، ليس إلَّا، كما تقدَّم تقريره مرارًا. ونحن (١) لا تأخذنا في ذلك لومةُ لائمٍ، وهم لا تأخذهم في كون ذلك في العيان لومةُ لائمٍ، وهم عندنا صادقون ملبوسٌ عليهم، ونحن عندهم محجوبون عن ذلك غير واصلين إليه.

فإن استمرَّ على حاله واقفًا بباب مولاه، لا يلتفت عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا يجيب غير من يدعوه إليه، ويعلم أنَّ الأمر وراء ذلك، وأنَّه لم يصل بعد، ومتى توهَّم أنَّه قد وصل انقطع وانقطع عنه المزيد= رُجي أن يفتح له فتحٌ آخر، هو فوق ما كان فيه، فيستغرق قلبُه في أنوار مشاهد الجلال بعد ظهور أنوار الوجود الحقِّ، ومحوِ وجوده هو. ولا تتوهَّم أنَّ وجود ذاته وصفاته يبطل، بل الذي يبطل: وجوده النفسانيُّ الطَّبْعيُّ، ويبقى له وجودٌ قلبيٌّ روحانيٌّ ملكيٌّ، فيبقى قلبُه سابحًا في بحرٍ من أنوار آثار الجلال، فتنبع الأنوار من باطنه كنبع الماء من العين، حتَّى يجد الملكوت الأعلى كأنَّه في باطنه وقلبه، ويجدَ قلبه عاليًا على ذلك كلِّه، صاعدًا إلى مَن ليس فوقه شيء.

ثمَّ يرقِّيه الله سبحانه، فيُشهده أنوارَ الإكرام بعد ما شهد أنوار الجلال، فيستغرق في نورٍ مِن أشعَّة الجمال. وفي هذا المشهد يذوق المحبَّة الخاصَّة الملهبة للأرواح والقلوب، فيبقى القلب مأسورًا في يد حبيبه ووليِّه، ممتحنًا بحبِّه.


(١) ش، د: «فنحن».

<<  <  ج: ص:  >  >>