للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن شئت أن تفهم ذلك تقريبًا، فانظر إليك ــ أو إلى غيرك ــ وقد امتُحنتَ بصورةٍ بديعة الجمال ظاهرًا وباطنًا، فملكَتْ عليك قلبك وفكرك، وليلك ونهارك؛ فيحصل له (١) نارٌ من المحبَّة تتضرَّم (٢) في أحشائه يقلُّ (٣) معها الاصطبار، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فيا له مِن (٤) قلبٍ ممتحنٍ مغمورٍ مستغرقٍ بما ظهر له من أشعَّة أنوار الجمال الأحديِّ! والناس مفتونون ممتحنون بما يفنى من المال والصُّور والرِّياسة، معذَّبون بذلك قبل حصوله وحالَ حصوله وبعدَ حصوله، وأعلاهم مرتبةً من يكون مفتونًا بالحور العين، أو عاملًا على تمتُّعه في الجنَّة بالأكل والشُّرب واللِّباس والنِّكاح.

وهذا المحبُّ قد ترقَّى في درجات المحبَّة على أهل المقامات، ينظرون إليه في الجنَّة كما يُنظر إلى الكوكب الدُّرِّيِّ الغابر في الأفق لعلوِّ درجته وقربِ منزلته من حبيبه ومعيَّته معه، فإنَّ المرء مع من أحبَّ، ولكلِّ عملٍ جزاءٌ وجزاءُ المحبَّة: المحبَّةُ والوصولُ والاصطناع والقرب، فهذا هو الذي يصلح، وكفى بذلك شرفًا وفخرًا في عاجل الدُّنيا، فما ظنُّك بمقاماتهم العالية عند مليكٍ مقتدرٍ؟ كيف إذا رأيتهم في موقف القيامة، وقد أسمعهم المنادي: لينطلق كلُّ قومٍ مع ما كانوا يعبدون، فيبقَون في مكانهم ينتظرون معبودهم وحبيبهم الذي هو أحبُّ شيءٍ


(١) كذا، على سبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
(٢) ر: «فتَضْرَم».
(٣) ر: «يعزُّ».
(٤) «من» ساقطة من ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>