للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم، حتَّى يأتيهم فينظرون إليه، ويتجلَّى لهم ضاحكًا (١).

والمقصود: أنَّ هذا العبد لا يزال اللهُ يرقِّيه طبقًا بعد طبقٍ، ومنزلًا بعد منزلٍ، إلى أن يوصله إليه ويمكِّن له بين يديه، أو يموتَ في الطريق فيقع أجرُه على الله. فالسعيد كلُّ السعيد، الموفَّقُ (٢) كلَّ التوفيق (٣) مَن لم يلتفت عن ربِّه تبارك وتعالى يمينًا ولا شمالًا، ولا اتَّخذ سواه ربًّا ولا وكيلًا، ولا حبيبًا ولا مدبِّرًا، ولا حكمًا ولا ناصرًا ولا رازقًا.

وجميع ما تقدَّم من مراتب الوصول إنَّما هو شواهدُ وأمثلة، إذا تجلَّت له الحقائق في الغيب ــ بحسب استعداده ولطفه ورقَّته ــ من حيث لا يراها= ظهر له من تجلِّيها شاهدٌ في قلبه، وذلك الشّاهد دالٌّ عليها ليس هو عينَها، فإنَّ نور الجلال في القلب ليس هو نور ذي الجلال في الخارج، فإنَّ ذلك لا تقوم له السماوات والأرض، ولو ظهر للوجود لتَدَكْدَك، لكنَّه شاهدٌ دالٌّ على ذلك، كما أنَّ المثل الأعلى شاهدٌ دالٌّ على الذات، والحقُّ وراء ذلك كلِّه، منزَّهٌ عن حلولٍ واتِّحادٍ وممازجةٍ لخلقه. وإنَّما تلك رقائق وشواهد تقوم بقلب العارف، تدلُّ على قرب الألطاف منه في عالم الغيب حيث لا يراها. وإذا فني فإنَّما يفنى بحال نفسه لا بالله ولا فيه، وإذا بقي فإنَّما يبقى بحاله هو ووصفه، لا ببقاء ربِّه وصفاته، ولا يبقى بالله إلَّا الله.

ومع ذلك فالوصول حقٌّ، يجد الواصل آثار تجلِّي الصِّفات في قلبه، وآثار تجلِّي الحقِّ في قلبه، ويُوقَف القلب فوق الأكوان كلِّها بين يدي الربِّ تعالى،


(١) كما في حديث جابر عند مسلم (١٩١/ ٣١٦).
(٢) ر: «والموفَّق».
(٣) ر: «الموفَّق».

<<  <  ج: ص:  >  >>