للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو على عرشه (١)، ومن هناك يكاشَف بآثار الجلال والإكرام، فيجد العرش والكرسيَّ تحت مشهدِ قلبه حُكمًا، وليس الذي يجده تحت قلبه حقيقةً العرشَ والكرسيَّ، بل شاهدٌ ومثالٌ علميٌّ يدلُّ على قرب قلبه من ربِّه، وقرب ربِّه من قلبه؛ وبين الذَّوقين تفاوتٌ، فإذا قَرُب الربُّ تعالى من قلب عبده بقيت الأكوان كلُّها تحت مشهد قلبه، وحينئذٍ فتَطْلُع في أفقه شمسُ التوحيد، فينقطع بها ضبابُ وجوده ويضمحلُّ ويتلاشى، وذاتُه وحقيقته موجودةٌ بائنةٌ عن ربِّه، وربُّه بائنٌ عنه، فحينئذٍ يغيب العبد عن نفسه ويفنى، وفي الحقيقة هو باقٍ غيرُ فانٍ، ولكنَّه ليس في سرِّه غير الله، قد فني فيه كلُّ ما سواه.

نعم، قد يتَّفق له في هذه الحالة أن لا يجد شيئًا غير الله، فذلك لاستغراق قلبه في مشهوده وموجوده، ولو كان ذلك في نفس الأمر لكان العبد في هذه الحال خالقًا بارئًا مصوِّرًا أزليًّا أبديًّا.

فعليك بهذا الفرقان، واحذر فريقين هما أعدى عدوٍّ لهذا الشأن:

فريق الجهميَّة المعطِّلة التي ليس عندها فوق العرش إلَّا العدم المحض، فشمُّ رائحة هذا المقام من أبعد الأمكنة حرامٌ عليها.

وفريق أهل الاتِّحاد (٢) القائلين بوحدة الوجود، وأنَّ العبد ينتهي في هذا السفر إلى أن يشهد وجوده هو عينَ وجودِ الحقِّ جلَّ جلاله. وعيشُك بجهلك خيرٌ من معرفة هاتين الطائفتين، وانقطاعُك مع أهل الشهوات خيرٌ من سيرك معهما، والله المستعان وعليه التُّكلان.


(١) «وهو على عرشه» لم يظهر في ش لما عليه من الضرب والشطب.
(٢) ش، د: «الإلحاد»، وهو محتمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>