إذا عُرِف هذا، فالمصحوب للعبد من الحقِّ هو معرفته ومحبّته وإرادة وجهه، وما يستعين به على الوصول إليه، وما هو محتاجٌ إليه في سلوكه. فتحقيق ذلك هو تخليصه من المُفسِدات القاطعة عنه، الحائلة بين القلب وبين الوصول إليه، وتحصينه من المخالطات، وتجريده من المُشَوِّشات، فإنَّ تلك قواطعُ له عن مصحوبه الحقِّ، وهي نوعان لا ثالث لهما: عوارضُ محبوبةٌ، وعوارضُ مكروهةٌ.
فصاحبُ مقامِ التحقيق لا يقف مع العوارض المحبوبة، فإنّها تقطعه عن مصحوبه ومطلوبه، ولا مع العوارض المكروهة، فإنّها قواطعُ أيضًا، ويتغافل عنها ما أمكنه، فإنّها تمرُّ بالمكاسرة والتغافل مرًّا سريعًا، ولا يوسِّع دوائرها، فإنّه كلمّا وسَّعها اتَّسعَتْ، ووجدت مجالًا فسيحًا فصالَتْ فيه وجالَتْ، ولو ضيَّقَها بالإعراض والتّغافل لاضمحلَّتْ وتلاشَتْ. فصاحبُ مقام التّحقيق ينساها وَيطمِسُ آثارها، ويعلم أنّها جاءت بحكم المقادير في دار المِحَن والآفات.
قال لي شيخ الإسلام مرَّةً: العوارض والمِحَن هي كالحرِّ والبرد، فإذا علم العبد أنّه لابدَّ منهما لم يغضَبْ لورودهما، ولم يغتمَّ لذلك ولم يحزن (١) له.
فإذا صبر العبد على هذه العوارض ولم ينقطع بها رُجِيَ له أن يصل إلى مقام التحقيق، فيبقى مع مصحوبه الحقِّ وحده، فتتهذَّب نفسُه، وتطمئنُّ مع