للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، وتنفطم عن عوائد السُّوء، حتّى تَغْمُر (١) محبّة الله قلبَه وروحَه، وتتعوَّد جوارحه متابعةَ الأوامر، فيحسُّ حينئذٍ قلبه بأثر معيّة الله معه وتولِّيه له، فيبقى في حركاته وسكناته بالله لا بنفسه، وترِدُ على قلبه التعريفات الإلهيّة، وذلك إنّما يكون في منزل (٢) البقاء بعد الفناء، والظّفر بالمحبّة الخاصّة، ومشهدِ الإلهيّة والقيُّوميّة والفردانيّة، فإنَّ على هذه المشاهد الثّلاث مدارَ المعرفة والوصول.

والمقصود: أنَّ صاحب مقام «التحقيق» يعرف الحقّ، ويُميِّز بينه وبين الباطل، فيتمسَّك بالحقِّ ويُلغِي الباطل، فهذه رتبةٌ. ثمّ يتبيَّن له أنَّ ذلك ليس به، بل بالله وحده؛ فيتبرأ حينئذٍ من حوله وقوّته، ويعلم أنّ ذلك بالحقِّ. ثمّ يتمكّن في ذلك المقام، ويرسخ فيه قلبه، فيصير تحقيقه بالله وفي الله.

ففي الأوّل: تخلَّص له مطلوبه من غيره، وتجرَّد له من سواه.

وفي الثّاني: تخلَّص له إضافتُه إلى غيره، وأن يكون بسواه سبحانه.

وفي الثّالث: تجرَّد له شهوده وقصودُه وإرادته، بحيث صارت في مطلوبه.

فالأوّل: سفرٌ إلى الله، والثاني: سفرٌ بالله، والثالث: سفرٌ في الله.

وإن أشكل عليك معنى السفر فيه والفرق بينه وبين السفر إليه= ففرِّقْ بين حال العابد الزاهد السائر إلى الله ولم يُفتَح له في الأسماء والصِّفات والمعرفة الخاصّة والمحبة الخاصّة، وبين حال العارف الذي قد كُشِف له


(١) ت: «تعم».
(٢) ت: «منزلين».

<<  <  ج: ص:  >  >>