للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولّاها هذه الرُّتبة حتّى تجعل كدَّكَ في عزلها؟

ويالله! ما أجهلَ كثيرًا من أهل الكلام والتصوُّف، حيث لم يكن عندهم تحقيق التوحيد إلّا إلغاءَها ومحوها، وإهدارها بالكلِّيّة، وأنّه لم يجعل الله في المخلوقات قوًى ولا طبائعَ ولا غرائزَ لها تأثيرٌ بوجهٍ ما، ولا في النّار حرارةٌ ولا إحراقٌ، ولا في الدّواء قوّةٌ، ولا في الخبز قوّةٌ مشبعةٌ، ولا في الماء قوّةٌ مُروِيةٌ، ولا في العين قوّةٌ باصرةٌ، ولا في الأنف قوّةٌ شامّةٌ، ولا في السُّمِّ قوّةٌ قاتلةٌ، ولا في الحديد قوّةٌ قاطعةٌ؟ وأنّ الله لم يفعل شيئًا بشيءٍ، ولا فعلَ شيئًا لأجل شيءٍ.

فهذا غاية توحيدهم الذي يَحُومون حوله، ويبالغون في تقريره.

ولعَمْر الله لقد أضحكوا عليهم العقلاء، وأشمتوا بهم الأعداء، ونهجوا (١) لأعداء الرُّسل طريقَ إساءة الظّنِّ بهم، وجَنَوا على الإسلام والقرآن أعظمَ جنايةٍ، وقالوا: نحن أنصار الله ورسوله، الموكَّلُون بكسر أعداء الإسلام وأعداء الرُّسل. ولعمر الله لقد كسروا الدِّين وسلَّطوا عليه المبطلين. وقد قيل: إيّاك ومصاحبةَ الجاهل، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرُّك.

فقِفْ مع الأسباب حيث أُمِرْتَ بالوقوف، وفارِقْها حيث أُمِرْتَ بمفارقتها، كما فارقها الخليلُ وهو في تلك السفرة من المنجنيق، حيث عرض له [جبريل] (٢) أقوى الأسباب، فقال: ألك حاجةٌ؟ فقال: أمّا إليك فلا (٣).


(١) ت: «فتحوا».
(٢) ليست في ش, د. وأشير إليها في هامش ت.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>