للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّواهد، فإذا وصل إلى مقام المعرفة وصار همُّه همًّا واحدًا لله وفي الله وبالله نزَلَ في منزلة الجمع، وشمَّرَ لركوب بحر التَّوحيد الذي يتلاشى فيه كلُّ ما سوى الواحد القهّار. فالجمعُ عنده نهايةُ سفر السّالكين إلى الله.

وهذا موضعٌ غير مسلَّمٍ له على إطلاقه، وإنّما غاية مقامات (١) السّالكين: التوبةُ التي هي بدايات منازلهم.

ولعلَّ سمعَك ينفر من هذا غاية النُّفور، وتقول: هذا كلام من لم يعرف شيئًا من طريق القوم، ولا نزل في منازل الطريق! ولَعَمْرُ الله، إنّ كثيرًا من الناس ليوافقك على هذا، ويقول: أين كنّا؟ وأين صرنا؟ نحن قد قطعنا منزلة التّوبة وبيننا وبينها مائةُ مقامٍ، فنرجع من مائة مقامٍ إليها، ونجعلها غايةَ مقامات السالكين!

فاسمَع الآن وعِهْ، ولا تعجَلْ بالإنكار، ولا تُبادِرْ بالردِّ، وافتَحْ ذهنك لمعرفة نفسك، وحقوق ربِّك، وما ينبغي له منك، وما له من الحقِّ عليك؛ ثمّ انسُبْ أعمالك وأحوالك وتلك المنازلَ التي نزلتها والمقاماتِ التي قمتَ فيها لله وبالله إلى عظيم (٢) جلاله وما يستحقُّه وما هو له أهلٌ. فإن رأيتها وافيةً بذلك مكافئةً له فلا حاجة بك حينئذٍ إلى التوبة، والرُّجوعُ إليها وقوعٌ (٣) عن المقامات العليّة، وانحطاطٌ من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ، ورجوعٌ من غايةٍ إلى بدايةٍ. وما أظنُّ ذلك بعيدًا من كثيرٍ من المنتسبين إلى هذا الشأن


(١) في ت، ر: «مقام» هنا وفي آخر الفقرة الآتية.
(٢) ش، د: «عظم».
(٣) ش، د: «رجوع».

<<  <  ج: ص:  >  >>