للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا القدريَّةُ، فالتَّوحيدُ عندهم: إنكارُ قدَرِ الله وعمومِ مشيئته للكائنات وقدرتِه عليها. ومتأخِّروهم ضمُّوا إلى ذلك توحيدَ الجهميَّة، فصار حقيقةُ التَّوحيد عندهم: إنكارَ القدر، وإنكارَ حقائق الأسماء الحسنى والصِّفات العلى. وربّما سمَّوا إنكارَ القدر والكفرَ بقضاء الرّبِّ وقدره: عدلًا، وقالوا: نحن أهل العدل والتّوحيد.

وأمّا الجبريَّةُ، فالتَّوحيدُ عندهم: هو تفرُّدُ الرَّبِّ تعالى بالخلق والفعل، وأنَّ العبادَ غير فاعلين على الحقيقة، ولا مُحْدِثين لأفعالهم، ولا قادرين عليها؛ وأنَّ الرَّبَّ تعالى لم يفعل لحكمةٍ ولا غايةٍ تُطْلَب بالفعل، وليس في المخلوقات قوًى وطبائع وغرائز وأسبابٌ؛ بل ما ثمَّ إلّا مشيئةٌ محضةٌ ترجِّح مِثلًا على مثلٍ بغير مرجِّحٍ ولا حكمةٍ ولا سببٍ البتَّة.

وأمَّا صاحبُ «المنازل» - رحمه الله - ومن سلك سبيله فالتَّوحيدُ عندهم: نوعان، أحدهما غير موجودٍ ولا ممكنٍ، وهو: توحيدُ العبدِ ربَّه، فعندهم:

ما وحَّد الواحدَ من واحدٍ ... إذ كلُّ من وحَّده جاحدُ (١)

والثاني: توحيدٌ صحيحٌ، وهو توحيدُ الرَّبِّ لنفسه (٢). وكلُّ من ينعته سواه فإنَّه (٣) ملحدٌ.


(١) لصاحب «المنازل» من أبيات ثلاثة ختم بها الكتاب. وقد فسَّرها المصنف في المجلد الأول (ص ٢٢٥)، وسيفسِّرها مرة أخرى في موضعها. ولم يفطن محقق طبعة دار ابن خزيمة لكونه بيتًا من الشعر.
(٢) ش، د: «نفسه».
(٣) ش، د: «فهو».

<<  <  ج: ص:  >  >>