للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشرائطها. وهذا الوقوف لا تتمُّ العبوديّة إلّا به.

ووقوفٌ معها، بحيث يعتقد أنّها هي الفاعلة المؤثِّرة بنفسها، وأنّها تنفع وتضرُّ بذاتها، فهذا لا يعتقده موحِّدٌ، ولا يحتاج أن يحترز منه من يتكلّم في المعرفة والسُّلوك.

نعم، لا ينقطع بها عن رؤية المسبِّب، ويعتقدها هي الغاية المطلوبة منه، بل هي وسيلةٌ تُوصِل إلى الغاية، ولا تصل إلى الغاية المطلوبة بدونها. فهذا حقٌّ، لكن لا يجامع رفضَها والإعراضَ عنها، بل يقوم بها معتقدًا أنّها وسيلةٌ مُوصِلةٌ إلى الغاية. فهي كالطَّريق الحسِّيِّ الذي يقطعه المسافر إلى مقصده، فإن قيل له: ارفُضِ الطَّريقَ ولا تلتفت إليها انقطع عن المسير بالكلِّيّة. وإن جعَلهَا غايتَه ولم يقصد بالسَّير فيها وصولَه إلى مقصدٍ معيَّنٍ كان معرضًا عن الغاية، مشتغلًا بالطّريق. وإن قيل له: التفِتْ إلى طريقك ومنازل سيرك، وراعِها، وسِرْ فيها ناظرًا إلى المقصود، عاملًا على الوصول إليه= فهذا هو الحقُّ.

وقولهم: «المتوكِّل وإن رفَضَ الأسبابَ واقفٌ مع توكُّله». فيقال: إن وقف مع توكُّله امتثالًا لأمر الله، وأداءً لحقِّ عبوديّته، معتقدًا أنَّ الله هو الذي منَّ عليه بالتّوكُّل، وأقامَه فيه، وجعله سببًا موصِلًا له (١) إلى مطلوبه، فنعم الوقوفَ وقَفَ! وما أحسنه من وقوفٍ! وإن وقف معه اعتقادًا أنَّ (٢) بنفس توكُّله وعمله يصل، مع قطع النّظر عن فضل ربِّه وإعانته ومنِّه عليه بالتّوكُّل؛


(١) ت: «يوصله».
(٢) ش: «أنه» وكأن بعضهم زاد الهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>