للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التّوحيد والإيمان والشُّكر لكان قبيحًا، ولو أمرَ بالكفر والشكر والظُّلم والفواحش لكانت حسنةً! وبيَّنَّا أنَّ هذا القولَ مخالفٌ للعقول والفِطَر والقرآن والسُّنّة.

والمقصود: الكلام على قول الشّيخ: (ويجب بالسَّمع) (١)، وأنَّ الصَّوابَ وجوبُه بالعقل والسَّمع، وإن اختلفت جهةُ الإيجاب، فالعقلُ يوجبه بمعنى اقتضائه لفعله، وذمِّه على تركه، وتقبيحه لضدِّه؛ والسَّمعُ يوجبه بهذا المعنى، ويزيد: إثباتَ العقاب على تركه، والإخبارَ عن مقت الرَّبِّ تعالى لتاركه وبغضه له. وهذا أيضًا قد يُعلم بالعقل، فإنَّه إذا تقرَّر قبحُ الشَّيء وفحشُه بالعقل، وعُلِمَ ثبوتُ كمال الرَّبِّ جلّ جلاله بالعقل أيضًا= اقتضى ثبوتُ هذين الأمرين علمَ العقل بمقت الرَّبِّ تعالى لمرتكبه. وأمّا تفاصيلُ العقاب وما يوجبه مقتُ الرَّبِّ منه فإنّما يُعلَم بالسَّمع.

واعلم أنّه إن لم يكن حسنُ التَّوحيد وقبحُ الشِّرك معلومًا بالعقل مستقِرًّا في الفطَر، فلا وثوق بشيءٍ من قضايا العقل، فإنَّ هذه القضيَّةَ من أجلى (٢) القضايا البديهيَّات، وأوضحِ ما رُكِّب في العقول والفطَر. ولهذا يقول سبحانه عقيبَ تقرير ذلك: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. وينفي العقلَ عن أهل الشِّرك، ويُخبر عنهم بأنّهم يعترفون في النّار أنّهم لم يكونوا يسمعون ولا يعقلون، وأنّهم خرجوا عن موجَب السَّمع والعقل، وأخبر أنّهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١]، وأخبر أنّ سمعَهم وأبصارهم وأفئدتهم لم


(١) كذا وقع هنا في النسخ «ويجب» بزيادة الواو.
(٢) في المطبوع: «أجلِّ»، تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>