للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطردُ هذا المذهب مفسِدٌ للدُّنيا وللدِّين (١)، بل لسائر أديان الرُّسل. ولهذا لمّا طرده قومٌ أسقطوا الأسبابَ الدُّنيويّةَ وعطّلوها، وجعلوا وجودها كعدمها. ولم يمكنهم ذلك، فإنّهم لابدّ أن يأكلوا ويشربوا، ويباشروا من الأسباب ما يدفع عنهم الحرَّ والبرد والألم!

فإذا قيل لهم: هلّا أسقطتم ذلك؟ قالوا: لأجل الاقتران العاديِّ. فقيل لهم: فهلّا قمتم بما أسقطتموه من الأسباب لأجل الاقتران العاديِّ أيضًا! فهذا المذهبُ قد فطَر الله سبحانه الحيوانَ ــ ناطقَه وأعجمَه ــ على خلافه.

وقومٌ طردوه، فتركوا له الأسباب الأخرويّة، وقالوا: سبَق العلمُ والحكمُ بالسّعادة والشّقاوة لا يتغيَّر البتّة، فسواءٌ علينا الفعلُ والتَّركُ. فإن سبق العلمُ والحكمُ بالشَّقاوة فنحن أشقياء، عمِلنا أو لم نعمَل. وإن سبقا بالسّعادة فنحن سُعَداء، عملنا أو لم نعمل. ومنهم من يترك الدُّعاءَ جملةً، بناءً على هذا الأصل، ويقول: المدعوُّ به إن سبَق العلمُ والحكمُ بحصوله حصَلَ، دعونا أو لم ندعُ. وإن سبقا (٢) بعدم حصوله لم يحصُل وإن دعونا.

قال شيخنا (٣): وهذا الأصل الفاسد مخالفٌ للكتاب والسُّنّة وإجماع السَّلف وأئمّة الدِّين، ومخالفٌ لصريح المعقول وللحسِّ والمشاهدة.

وقد سئل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن إسقاط الأسباب نظرًا إلى القدر؟ فردّ ذلك، وألزمَ القيامَ بالأسباب، كما في «الصحيح» (٤) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «ما منكم من


(١) ت: «والدين».
(٢) ت: «سبق».
(٣) في «منهاج السنة» (٥/ ٣٦٢ - ٣٦٦).
(٤) أخرجه البخاري (٤٩٤٥) ومسلم (٢٦٤٧) من حديث علي - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>