للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التّوكُّلُ إلّا عليه، ولا الالتجاءُ إلّا إليه، ولا الخوفُ إلّا منه، ولا الرَّجاءُ إلّا له، ولا الطَّمعُ إلّا في رحمته؛ كما قال أعرَفُ الخلق به: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك» (١). وقال: «لا ملجا ولا منجى منك إلّا إليك» (٢).

فإذا جمعتَ بين هذا التّوحيد وبين إثبات الأسباب استقام قلبُك على السَّير إلى الله، ووضَح لك الطَّريقُ الأعظمُ الذي مضى (٣) عليه جميعُ رسل الله وأنبيائه وأتباعهم، وهو الصِّراطُ المستقيمُ، صراطُ الذين أنعم الله عليهم. وبالله التّوفيق.

وما سبق به حكمُه وعلمُه حقٌّ، وهو لا ينافي إثبات الأسباب، ولا يقتضي إسقاطَها، فإنّه سبحانه قد علِمَ وحَكَم أنَّ كذا وكذا يحدُث بسبب كذا وكذا، فسبق العلمُ والحكمُ بحصوله عن سببه، فإسقاطُ السَّبب خلافُ موجَبِ علمه وحكمه. فمن نظَر إلى الحدوث بغير الأسباب لم يكن نظرُه وشهودُه مطابقًا للحقِّ، بل كان شهوده غَيبةً، ونظرُه عمًى. فإذا كان علمُه وحكمُه قد سبق بحدوث الأشياء بأسبابها، فكيف يشهد العبدُ الأمورَ بخلاف ما هي عليه في علمه وحكمه وخلقه وأمره؟

والعلل التي تُنفَى وتُتَّقى في الأسباب نوعان. أحدهما: الاعتماد عليها، والتّوكُّل عليها، والثِّقة بها، ورجاؤها وخوفها. فهذا شركٌ يرِقُّ ويغلُظ وبينَ


(١) أخرجه مسلم (٤٨٦)، وقد تقدَّم تخريجه في المجلد الأول (ص ٣٩٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٧) ومسلم (٢٧١٠) من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.
(٣) ت: «نص».

<<  <  ج: ص:  >  >>