للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان إلّا به، فما أفسد أديانَ الرُّسل إلّا أربابُ منازعات العقول التي (١) ينازعهم معقولُهم في التَّصديق بما جاءت به الرسل، وإثباتِ ما أثبتوه، ونفيِ ما نفوه، فنازعت عقولهم ذلك، فتركوا لتلك المنازعات ما جاءت به الرُّسَل، ثمّ عارضوهم بتلك المعقولات، وقدَّموها على ما جاؤوا به، وقالوا: إذا تعارضت عقولنا وما جاءت به الرُّسلُ قدَّمنا ما حكمت به عقولُنا على ما جاؤوا به. وقد هلك بهؤلاء طوائفُ لا يحصيهم إلّا الله، وانسلخوا بسببهم من أديان جميع الرُّسل.

قوله: (ومن التّعلُّق بالشَّواهد) كلامٌ فيه إجمالٌ. فالشَّواهد هي الأدلّة والآيات، فتركُ التّعلُّق بها انسلاخٌ عن العلم والإيمان بالكلِّيّة. والتّعلُّقُ بها وحدها دونَ من نصَبها شواهدَ وأدلّةً انقطاعٌ عن الله وشركٌ في التّوحيد. والتّعلُّقُ بها استدلالًا ونظرًا في آيات الرَّبِّ ليصل بها إلى الله هو التّوحيد والإيمان.

وأحسَنُ ما يُحمَل عليه كلامه: أنّه يصعد عن الوقوف معها، فإنّها وسائل إلى المقصود، فلا ينقطع بالوسيلة عن المقصود. وهذا حقٌّ، لكنَّ قوله: (وهو أن لا يشهد في التّوحيد دليلًا) يكدِّر هذا المعنى ويشوِّشه، وليس بصحيحٍ. بل الواجبُ: أن يشهد الأمر كما يُشهده الله، فإنَّ الله سبحانه نصبَ الأدلّةَ على التّوحيد وأقام البراهينَ وأظهر الآياتِ، وأمرَنا أن نشهد الأدلّة والآيات وننظر فيها ونستدلَّ بها. ولا يجتمع هذا الإثباتُ وذاك النّفيُ البتّة. والمخلوقاتُ كلُّها آياتٌ للتّوحيد، وكذلك الآياتُ المتلوَّةُ أدلّةٌ على التَّوحيد، فكيف لا أشهدُها دليلًا عليه؟ هذا من أبطل الباطل. بل التَّوحيدُ كلُّ التّوحيد


(١) كذا في النسخ بدلًا من «الذين».

<<  <  ج: ص:  >  >>