للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يشهد كلَّ شيءٍ دليلًا عليه مرشدًا إليه، ومعلومٌ أنَّ الرُّسلَ أدلّةٌ للتّوحيد، فكيف لا أشهدهم كذلك؟ وكيف يجتمع الإيمانُ بهم وعدمُ شهودهم أدلّةً للتّوحيد؟

فانظر ماذا أدّى إليه إنكارُ الأسباب، والسُّلوكُ على درب الفناء في توحيد الأفعال! فهذا هو مقتضاه وطرده، وإلّا تناقض أصحابه. وقد قال تعالى لرسوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]. وقال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: ٧]. والهادي: هو الدّليل الذي يدلُّ بهم في الطّريق إلى الله والدّار الآخرة.

ولا يناقض هذا قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] وقولَه: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: ٨] فإنّ الله سبحانه تكلّم بهذا وهذا (١). فرسُلُه الهُداةُ هدايةَ الدّلالة والبيان، وهو الهادي هدايةَ التّوفيق والإلهام. فالرُّسلُ هم الأدلَّاءُ حقًّا، والله سبحانه هو الموفِّقُ الملِهمُ الخالقُ للهدى في القلوب.

قوله: (ولا في التّوكُّل سببًا) يريد: أنّك تجرِّد التّوكُّلَ عن الأسباب. فإن أراد تجريده عن القيام بها فباطلٌ، كما تقدّم، وإن أراد تجريدَه عن الرُّكون إليها والوثوق بها فهو حقٌّ. وإن أراد تجريده عن شهودها فشهودُها على ما هي عليه أكمل، ولا يقدح في التَّوحيد بوجهٍ ما.

وكذلك قوله: (ولا في النّجاة وسيلةٌ) إنّما يصحُّ على وجهٍ واحدٍ، وهو أن لا يشهد حصول النّجاة بمجرَّد الوسائل من الأعمال والأسباب. وأمّا إلغاءُ


(١) ت: «وبهذا».

<<  <  ج: ص:  >  >>