للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ يقال: فهذا الذي ذكرتَه في هذه الدَّرجة هل هو توحيدٌ ووصفٌ للتَّوحيد، أم ليس بتوحيدٍ؟ فإن لم يكن توحيدًا فهو باطلٌ، وإن كان توحيدًا فقد وحَّدتَ الواحد.

وأيضًا فإذا كان توحيدُه لنفسه هو التَّوحيدُ، وما عداه فليس بتوحيدٍ، فمعلومٌ أنَّ توحيدَه لنفسه هو الذي أرسل به رسلَه وأنزل به كتبَه وأخبر به عن نفسه في القرآن من أوّله إلى آخره. وهذا عندك هو توحيد العامّة، فأين هذا التَّوحيد الذي وحَّد به نفسَه ولم ينطق به لسانٌ ولم تعبِّر عنه عبارةٌ ولم يُقِلَّه سببٌ؟

فإن قلتَ: هو التَّوحيدُ القائمُ به؛ فذلك هو وصفُه وكلامُه وعلمُه بنفسه، وليس ذلك من فعل العبد ولا صفته حتّى يكون هو الدّرجةَ الثّالثةَ من توحيد العبد لربِّه، كما أنَّ سائر صفاته لا تدخل في درجات السُّلوك، فإنَّ تلك الدَّرجات هي منازل العبوديّة.

وأيضًا، فإنَّ هذا الكلام الذي اشتملت عليه هذه الأبيات لا يستقيم على مذهب الملحدين ولا على مذهب الموحِّدين!

أمّا الموحِّدون، فهم يقولون: إنّ الرُّسل والأنبياء والملائكة والمؤمنين يوحِّدون الله حقَّ توحيده الذي يقدرون عليه. وأمّا الملحدون فيقولون: ما ثمَّ غيرٌ في الحقيقة، فالله عندهم هو الوجود المطلق السَّاري في الموجودات، فهو الموحِّد والموحَّد. وكلُّ ما يقال فيه فهو (١) عندهم حقٌّ وتوحيدٌ، كما قال عارفُ القوم ابن عربي:


(١) «فهو» ساقط من ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>