تعاطاه حينٌ (١)، ولا أَقلَّه سببٌ؟ فهذه العقول حاضرةٌ، وهذه المعارفُ، وهذا كلامُ الله ورسوله، بل سائر كتب الله، وكلامُ سادات العارفين من الأمّة، فما هذا الحقُّ المحال به؟ وعلى من وقعت هذه الحوالة؟ فإنّكم أحلتم بأمرٍ لم ينطق عنه لسانٌ ولم تشر إليه عبارةٌ، ولا تعاطاه حينٌ، ولا أقلَّه سببٌ= فعلى من أحلتم بهذا الحقِّ المجهول الذي لا سبيل إلى العلم به، ولا التّعبير عنه، ولا الإشارة إليه!
وأين قوله:(ما وحَّد الواحدَ من واحدٍ) من قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران: ١٨]؟ فأخبر سبحانه أنَّ الملائكة كلَّهم يوحِّدونه، وأنَّ أولي العلم يوحِّدونه. وكذلك إخبارُه عن أنبيائه ورسله وأتباعهم أنّهم وحَّدوه ولم يشركوا به شيئًا، كما أخبر عن نوحٍ ومن آمن معه، وعن جميع الرُّسل ومن تبعهم. بل أخبر سبحانه عن السّماوات السّبع والأرضين وما فيهنّ أنَّها تسبِّح بحمده توحيدًا ومعرفةً. فهل يصحُّ أن يقال: ما وحَّده أحدٌ من الرُّسل والأنبياء والمؤمنين، ولا سبَّح بحمده سماءٌ ولا أرضٌ ولا شيءٌ؟
وأبطل من هذا أن يقال: كلُّ من وحَّدَ الله من الأوّلين والآخرين جاحدٌ له ولتوحيده، لا موحِّدٌ له على الحقيقة، وأنَّ نعتَ جميع الرُّسل والأنبياء وأتباعهم له إلحادٌ، وكلُّ من نعته من الأوّلين والآخرين فهو لاحدٌ! فلا معنًى صحيحٌ، ولا لفظٌ مليحٌ، بل المعنى أبطل من اللّفظ، واللّفظ أقبح من المعنى!
(١) كذا ورد في مطبوعة «المنازل» وأكثر شروحها يعني: لم يتداوله زمانٌ. وفي «شرح التلمساني» (ص ٦١٠): «حيِّز»، قال: «فإنَّ المتحيِّز محصور».