للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنزلة في قلوبهم، ولا هربًا من ذمِّهم. بل قد عدُّوا (١) النّاسَ كأصحابَ القبور (٢)، لا يملكون (٣) لهم ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا. فالعملُ لأجل هؤلاء وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجاؤهم (٤) للضَّرِّ والنّفع منهم، لا يكون من عارفٍ بهم البتّة، بل من جاهلٍ بشأنهم وجاهلٍ بربِّه.

فمَن عرف النّاس أنزلهم منازلهم، ومَن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله وعطاءه ومنعه وحبّه وبغضه. ولا يعامل أحدٌ الخلقَ دون الله إلّا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلّا فإذا عرَف الله وعرَف النّاس آثرَ معاملةَ الله على معاملتهم. وكذلك أعمالُهم كلُّها وعباداتهم موافقةٌ لأمر الله ولما يحبُّه ويرضاه. وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عاملٍ سواه. وهو الذي بَلَا عبادَه بالموت والحياة لأجله. قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (٥) [الملك: ٢]. وجعل ما على الأرض زينةً لها ليختبرهم (٦) أيُّهم أحسن عملًا. قال الفضيل بن عياضٍ - رضي الله عنه -: هو أخلَصُه وأصوَبُه. قالوا: يا أبا عليٍّ ما أخلَصُه وأصوَبُه؟ قال: إنّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَل، حتّى يكون خالصًا


(١) ما عدا ش: "أعدوا".
(٢) ع: "بمنزلة أصحاب القبور".
(٣) ما عدا ش، ع: "ولا يملكون"، وقد ضرب على الواو في م.
(٤) في م، ش: "رضاهم"، وهكذا غيَّر بعضهم في ل.
(٥) ما عدا ع: "وهو الذي خلق ... "، سهو.
(٦) م، ش: "ليبلوهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>